قلت : المراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحلوه لا مطلقا ، أو قصر حرمته على حال الاختيار ، كأنه قيل : إنما حرم عليكم هذه الأشياء ما لم تضطروا إليها.
( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (174) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار (175) ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد (176))
ثم عاد الكلام إلى ذكر اليهود الذين تقدم ذكرهم ، فقال : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ) ويستبدلون بتحريفه ( ثمنا قليلا ) عرضا حقيرا وهو الرشوة ، أو المراد الوظائف المرسومة المأخوذة عن رعاياهم كما مر ( أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ) إما في الحال ادعاء ، لأنهم أكلوا ما يتلبس بالنار ، لكونها عقوبة عليه ، فكأنه إذا أكل ما يؤدي إلى النار أكل النار ، كقولهم : أكل فلان الدم ، إذا أكل الدية التي هي بدل منه. أو في المآل حقيقة ، أي : لا يأكلون يوم القيامة إلا النار. ومعنى ( في بطونهم ) ملء بطونهم ، يقال : أكل في بطنه ، وأكل في بعض بطنه.
( ولا يكلمهم الله يوم القيامة ) عبارة عن غضبه عليهم ، وتعريض بحرمانهم حال مقابليهم وهم أهل الجنة في إكرام الله إياهم بكلامه والزلفى من الله ( ولا يزكيهم ) ولا يثني عليهم ، ولا يصفهم بأنهم أزكياء ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم.
Bogga 286