============================================================
والخلق الثالث: كل ما كان بالحروف موصوفا في الأنواع كلها، وهو ملموس محسوس، ذو وزن، منظور إليه.
فالله عز وجل سابق للتوهم، لأنه ليس قبله شيء، ولا كان معه شيء.
والتوهم سابق للحروف، والحروف محدثة. وإنما الحروف المحدثة الحروف التي يتكلم بها، بغير كلام الله. وأما الحروف التي تكلم الله بها فهي غير منعوتة بالإحداث. والله لا يحدث فيه شيء . وإنما يحدث ما سواه. وما جمعته الحروف أو فرقته فمفعول بالحروف من خلق سماء أو أرض، أو بر أو بحر، أو شمس أ وا قمر، أو جن أو إنس، أو ملك أو فلك، أو هواء أو غير ذلك في تدبير تلك الحروف، حيث جمعت أو فرقت. والحروف غير ذلك كله، وغير التوهم.
و التوهم من الله عز وجل غير ذلك. ولذلك صار اسم كل شيء غير المسمى، وصفة كل شيء غير الموصوف، وحد كل شيء غير المحدود. والأسماء والصفات إنما هي حروف مقطعة، قائمة برؤوسها، لا تدل على غير أنفسها ما دامت متفرقة، فإذا اجتمعت دلت باجتماعها على غير أنفسها(1)، لأن الله عز وجل لا يجمع منها شيئا، فيؤلفها أبدا إلا لمعنى(2)، فإذا ألف منها أحرفا خمسة أو أربعة أو أقل من ذلك أو أكثر(3)، دلت على معنى محدث، لم يكن قبل ذلك مذكورا. فهذا ما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام في الحروف.
وقد اعترض قوم على هذا الخبر الذي رويناه عن جعفر بن محمد عليه السلام، وزعموا أن التوهم منفي عن الله عز وجل، وإنما هو من صفات المخلوقين. فنقول، وبالله التوفيق، إن التوهم الذي يوصف به المخلوقون(4) هوا ما يخطر ببالهم. تقول: توهمت الشيء إذا خطر ببالك قبل أن تتحققه. هذا الذي يقال في المخلوق، ولا يقال في الخالق، عز الله وجل، توهم على هذا المعنى.ا (1) سقطت الجملة من : ما دامت إلى هنا من ه.
(2) في المطبوع : إلا المعنى.
(3) أو أكثر : سقطت من المطبوع.
(4) في المطبوع : المخلوق.
Bogga 99