في أعماقها كانت بدور تشعر بالحزن، خاصة في لحظة الفرح، ربما هو جسدها القصير القامة السمين، أو عيناها الضيقتان الخاليتان من البريق، أو عقلها المكبوت رغم حصولها على الليسانس، أو روحها الحبيسة داخل زنزانة الأدب.
لم تكن تفك قيودها إلا في النوم، حين ينام عقلها وروحها وجسدها، حين ينام أبوها وأمها وكل الناس، حين يغلق الله عينه الساهرة التي لا تنام، حين يذوب الكل في الظلام، تصحو خلية خفية في عمق الأحشاء الدفينة، تتشمم الحب، ولذة الجنس الآثمة.
قبل الحريق كانت هناك المظاهرة الكبيرة، تسرب حب الوطن من الأب إلى ابنته بدور. كان يقرأ عليها أبيات شعر ركيكة، يلقيها على زملائه في الجيش، يتغنى بالموت فداء للوطن، بشرط ألا يكون هو الميت، أو ابنته من صلبه، كان شديد التأكد من حبه للوطن، شديد التأكد أن ابنته بدور جاءت من صلبه، ليس من صلب رجل آخر، شديد الإيمان بوجود الله والملائكة واليوم الآخر وإبليس.
تسرب كل ذلك إلى ابنته بدور منذ الطفولة، في المدرسة تغني مع البنات أناشيد الوطن، في السابعة من عمرها بدأت تصلي خمس مرات في اليوم، تصوم شهر رمضان، تطرد فتى الأحلام من النوم واليقظة.
نجحت بدور في السيطرة على عقلها الباطن الذي يصحو في النوم، استطاعت أن تفرض عليه النوم، تفوقت بدور على أبيها في حب الله والوطن، أصبحت ضمن البنات المثاليات، يتغلغل الإيمان بالله والوطن في قلوبهن، يسري في عروقهن مع الدم من قمة الرأس حتى بطن القدمين.
لكن النوم كان يغلبها، يشدها إليه مثل جاذبية الأرض، يسقط جسدها في غيبوبة النوم، إلا بطن قدمها اليسرى، كانت ناعمة بضة مثل قدم أمها، تظل واعية صاحية وإن نام الكون. تحس بدور وهي نائمة أن شيئا يداعب بطن قدمها اليسرى، ترفس الشيء يقدمها اليمنى وهي غارقة في النوم، تظن أنه إصبع إبليس يتحدى إرادة الله، يدغدغ بطن قدمها وهي في اللاوعي، يحرضها على الإثم.
في الصباح تصحو ويعود إليها الوعي، تسأل نفسها؛ لماذا إبليس الشيطان يقف دائما عن يسار المؤمنين أثناء الصلاة يحرضهم ضد الله، وأن الشيوعيين الكفرة من أهل اليسار؟
لذة خفية كانت تسري من بطن قدمها إلى ساقها، تصعد عبر الفخذ إلى البطن والصدر، النهدان برعمان صغيران بارزان قليلا، مؤلمان كثيرا إن ضغطت عليهما إصبع الشيطان.
كانت في طفولتها تظن أن إبليس الشيطان روح ليس له جسد، مثل الله روح ليس له جسد، ثم كبرت وأدركت إن للشيطان إصبعا، وربما له جسد كامل الأعضاء بما فيه العضو الآثم، يتحدى به إرادة الله.
في الحادية عشرة من عمرها رأت بدور لأول مرة وجه الشيطان. في الطفولة كانت تخشى أن تفتح جفونها وهي نائمة، ثم بدأت تكبر قليلا. تسيطر عليها أكثر وأكثر غريزة الاستطلاع، تريد أن تعرف كيف تكون ملامح الشيطان، أنفه، رأسه، جبهته، أذناه، فمه. ربما كانت تحس أنفاس الشيطان فوق عنقها من الخلف وهي نائمة على بطنها، لكنها لم تملك الشجاعة يوما أن تفتح جفونها لتراه.
Bog aan la aqoon