172

وتمكن البحارة من الوصول إلى عدن؛ حيث استغرق إصلاح العطب في هيكل السفينة شهرا. وأثناء انتظار الإبحار من جديد قرر زيتون أن والده محمودا ربما كان على حق، وأن الوقت قد حان للاستقرار في مكان ما، ولبناء أسرة، وللبقاء سليما مخلصا على اليابسة، وبعد شهور معدودة، خرج من «أندروميدا» في هيوستن وبدأ البحث عن كاثي.

الثلاثاء 13 من سبتمبر

لم يناقش زيتون وناصر إمكان بقائهما في هذا السجن شهورا عديدة، بل أعواما. ولكن ذلك كان يجول بخاطرهما، كانا يقولان إن الناس يجهلون مكان وجودهما ، وإن ذلك يتيح للمسئولين - أيا كان المسئول الذي يريد إبقاءهما هنا - سلطة كاملة لا راد لها في مواصلة احتجازهما وإخفائهما إلى الأبد.

لم يستطع ذهن زيتون أن يلمح حتى الآن بارقة إجراء ما قد يستطيع اتخاذه دفاعا عن قضيته. لم يكن مسموحا له بإجراء اتصال تليفوني، ولم يكن أمامه أدنى دليل على أنه سوف يسمح له بذلك. لم يستطع الاتصال بأي شخص في العالم الخارجي، لقد تحدث مع الممرضة، ولكنها من الموظفين الدائمين في السجن. لم يكن لتأكيد براءته لها أي جدوى، فمن الأرجح أنها لا تسمع طول النهار سوى تأكيدات البراءة. بل إنه كان يعرف أن وجوده في سجن مشدد الحراسة من شأنه أن يثبت إدانته في أذهان جميع العاملين فيه، وكان الحراس قد اعتادوا الإشراف على الرجال الذين كانوا يدانون في المحاكم.

ويضاف إلى هذا أن السجن كان معزولا إلى الحد الذي يحول دون خضوعه لإشراف من أي نوع، ويمنع وصول أي مدنيين إليه للتحقق من أحواله، ولم يكن قد سمح لزيتون بمغادرة مبنى السجن الذي يقيم فيه قط، ولم يسمح له بمغادرة الزنزانة إلا للاستحمام. وكان الحمام نفسه محاطا بالقضبان. وما داموا قد رفضوا السماح له بمكالمة تليفونية لمدة سبعة أيام، فلماذا يغيرون سياستهم في المستقبل؟

كان لديه أمل واحد ألا وهو تقديم اسمه والإعلان عن براءته لكل سجين قد يقابله، عسى أن يطلق سراح أحدهم يوما ما وربما لم يكتف بتذكر اسمه، بل تكفل بالاتصال بكاثي أو بإخبار أي فرد بمكان وجوده، ولكن من تراه بين هؤلاء سوف يصدق أنه من الأبرياء حقا في السجن؟ وكم من الأسماء الأخرى قد عرفوها؟ وكم من الوعود قد قطعوها على أنفسهم؟

عندما قبض على زيتون أصلا، لم يكن واثقا بأن بلده الأصلي كانت له علاقة بذلك؛ إذ كان اثنان من المجموعة التي قبض عليها أمريكيين من أصحاب البشرة البيضاء، ولدا في نيو أورلينز، ولكن الاعتقال تغير مساره تماما عندما أحضر الجميع إلى معسكر جراي هاوند، وعلى الرغم من كراهية هذه النقلة في تفكيره، فإنه تساءل في نفسه: أليس من المحتمل على الإطلاق أن ينقل، مثل العديد من الآخرين، إلى مكان خفي؛ إلى أحد السجون السرية خارج البلاد؟ إلى خليج جوانتانامو؟

لم يكن زيتون من النوع الذي يخاف مثل هذه الأمور. لم يكن من أصحاب نظريات المؤامرة أو الاعتقاد بأن حكومة الولايات المتحدة ترتكب انتهاكات حقوق الإنسان عمدا، ولكن كل شهر كانت تنشر فيما يبدو قصة جديدة عن إطلاق سراح أحد مواطني إيران أو المملكة العربية السعودية أو ليبيا أو سوريا، أو أي بلد من عدد من البلدان الإسلامية الأخرى، بعد قضاء شهور أو سنوات في أحد المعتقلات، وكانت القصص متشابهة في العادة، كانت الحكومة الأمريكية تشتبه في أحد المسلمين، وكان يسمح للعاملين بهذه الحكومة بموجب السلطات المخولة حاليا لرئيس الجمهورية أن يقبضوا على الرجل في أي مكان في العالم، وأن ينقلوه إلى أي مكان في العالم، من دون الحاجة إلى اتهامه بارتكاب أي جريمة.

كيف كانت حالة زيتون الراهنة تختلف عن ذلك؟ كان حبيسا ممنوعا من الاتصال بأحد، ودون اتهام، أو كفالة أو محاكمة، أفلن تلتزم وزارة الأمن الداخلي بإضافة اسم جديد إلى قائمة الأشخاص الخطرين لديها؟ إن مجرد تصور انطلاق اثنين سوريين في قارب يجوب مدينة نيو أورلينز بعد الإعصار كفيل بإثارة الريبة في قلوب بعض الأمريكيين، وحتى لو كان رجل الدعاية من الهواة المبتدئين لاستطاع أن يجد في هذه الصورة إيحاءات شر مضمرة.

لم يكن من اليسير على زيتون أن يقبل هذه الأفكار؛ إذ كانت تناقض كل ما عرفه وآمن به عن البلد الذي اتخذه موطنا، ولكنه كان مع ذلك قد سمع تلك القصص. كان بعض الأساتذة والأطباء والمهندسين قد قبض عليهم واختفوا شهورا وسنوات تحقيقا للأمن القومي.

Bog aan la aqoon