لم يكن واثقا بشأن ما الذي يدفعه إلى أن يفعل مثل هذه الأشياء، ولم يكن من اليسير تفسير ذلك، كان أحيانا يجد نفسه يميل إلى اللهو، ولم يكن العمال الذين يعرفونه خير المعرفة يدهشون لذلك، ولكن العمال الجدد كانوا ينزعجون ظانين أن سلوكه لون غريب من أساليب دفعهم إلى العمل.
وتمكن إميل من رسم بسمة على شفتيه.
وفي غرفة الطعام، كان ماركو منهمكا في طلاء الجدار بطبقة ثانية، وكان أصلا من السلفادور، وكان الاثنان، ماركو وإميل، قد تقابلا في الكنيسة، وانطلقا يبحثان عن العمل باعتبارهما فريقا من عمال طلاء المنازل. وذات يوم مرا بموقع من المواقع التي يعمل فيها زيتون، ولما كانت لديه في كل الأوقات تقريبا أعمال أكبر من طاقته، قرر استخدامهما. كان ذلك منذ ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين وماركو وإميل يعملان لديه.
وإلى جانب استخدام عدد من أبناء مدينة نيو أورلينز، كان زيتون قد استأجر عمالا من كل مكان؛ من بيرو، والمكسيك، وبلغاريا، وبولندا، والبرازيل، وهندوراس، والجزائر. وكانت له خبرات عميقة مع معظمهم، وإن كان معدل ترك العمال وتعيين عمال جدد في شركته أعلى من المتوسط. كان كثيرون من عماله مؤقتين؛ إذ لا يعتزمون إلا قضاء أشهر معدودة في البلد قبل العودة إلى أسرهم. وكان يسعده استئجار هؤلاء الرجال، كما تعلم قدرا معقولا من اللغة الإسبانية في خلال ذلك، ولكن كان عليه الاستعداد لرحيلهم دون إخطار بموعد الرحيل بمدة كافية. وكان بعض العمال الآخرين مجرد صبية لا يتحملون المسئولية ويعيشون للحاضر فقط، ولم يكن يلومهم؛ فلقد كان يوما ما شابا لا يرتبط بشيء هو الآخر، ولكنه حاول، كلما أتيحت له الفرصة، أن يغرس فيهم إدراكه بأن التعقل وادخار عدة دولارات كل أسبوع كفيل بتوفير معيشة طيبة لهم، وتمكينهم من تكوين أسرة اعتمادا على هذا اللون من العمل. ولكنه نادرا ما كان يقابل شابا يقوم بهذا العمل ويعمل حسابا للمستقبل، كان مجرد توفير الطعام والملبس لهم، ومطاردتهم حين يتأخرون أو يتغيبون جهدا مرهقا، وأحيانا ما يثبط الهمة، كان أحيانا ما يشعر بأنه لا يعول أربعة أطفال فقط بل عشرات، معظمهم ذوو أيد ملطخة، وشوارب تحمل آثار الطلاء. •••
ورن جرس التليفون، ونظر إلى اسم المتحدث في الشاشة ورد عليه.
وقال زيتون بالعربية: «أحمد، كيف حالك؟»
كان أحمد الأخ الأكبر لزيتون وأقرب أصدقائه، وكان يحادثه من إسبانيا، حيث يقيم مع زوجته وطفليه اللذين كانا في مرحلة الدراسة الثانوية، وكان الوقت قد تأخر عند أحمد، الأمر الذي جعل زيتون يخشى أن تكون لدى أخيه أخبار خطيرة.
وسأله زيتون: «ماذا حدث؟!»
فقال أحمد: «إنني أتابع أنباء العاصفة.»
فقال زيتون: «لقد أفزعتني!»
Bog aan la aqoon