Saygayga Tharwat Abaza

Cafaf Caziz Abaza d. 1438 AH
18

Saygayga Tharwat Abaza

زوجي ثروت أباظة

Noocyada

وكان دائما يصف الإخوان المسلمين في مقالاته بأنهم بداية الإرهاب، ويهاجم الناصريين وينقل حيثيات من أحكام المحاكم تثبت بطشهم، ويهاجم الشيوعيين أيضا، وعبثا حاولنا - أولاده وأنا - أن نخفف من هجومه، ولكنه رفض أن يقلل منه، وكان يقول: أنا مع الحق إلى أن أموت.

وفي أوائل حياتنا الزوجية لم يكن أيضا عندنا «تكييف» ولم يكن منتشرا كل هذا الانتشار، فكان يهرب إلى سينما ريفولي وكانت قد افتتحت أول كافتيريا مكيفة في القاهرة، وكتب هناك رواية «هارب من الأيام» وكان يكلمني من وقت لآخر ليقرأ لي ما كتب. وبعد صدور الرواية كان الأقارب والأصدقاء يقولون لي مجاملين أنت التي ألهمته هذه القصة الشيقة ، وكنت أقول لنفسي: بل تكييف سينما ريفولي هو الذي ألهمه. وقد نال على هذه الرواية الجائزة التشجيعية سنة 1958م، وكان هذا أول تكريم رسمي يحصل عليه. ثم كتب بعد ذلك «شيء من الخوف» ونشرت في مجلة صباح الخير على حلقات، ثم اختارها الفنان صلاح ذو الفقار لينتجها فيلما سينمائيا، وتم إعداد السيناريو في منزلنا وكان يجتمع المنتج بالمخرج العظيم حسين كمال والسيناريست صبري عزت للمشاورة وتبادل الآراء؛ ولذلك خرج الفيلم بهذا الجمال، وكان للموسيقى والتصوير والتمثيل فضل كبير في نجاحه.

ولهذا الفيلم بالذات قصة، فقد اعترض عليه وكيلا وزارة الثقافة حسن بك عبد المنعم وعبد المنعم بك الصاوي وطلبا أن يراه الوزير، وكان الدكتور ثروت عكاشة هو وزير الثقافة في ذلك الحين. ولما رآه وأحس بما فيه من إسقاطات وتلميحات على الحكم طلب بدوره أن يعرض الفيلم على رئيس الجمهورية شخصيا. وقد كان تعليق الرئيس جمال عبد الناصر: «لو كنت أنا مثل هذا الرجل لقتلني الشعب.» وسمح بعرضه. وأما التكريم الذي ناله ثروت فهو تكريم الجمهور الذي أحس بنفسه وأحس بالمرارة التي تملؤه تحت نير الطغيان، وكانت الناس تتعجب كيف ظهر هذا الفيلم؟! كيف كتب له أن يرى النور؟! وحتى الآن لا يزال يعرض ويقابل بنفس الإعجاب وبنفس التقدير. والحقيقة أن «شيء من الخوف» كان صرخة مدوية تنادي بالحرية.

ثم جاءنا «التكييف» وكتب باقي رواياته في حجرة مكتبه في المنزل، وكتب كثيرا منها في سويسرا وبالتحديد في لوزان، وكان يستوحي رواياته من الواقع المحيط به وينتهي من كتابتها في سنة تقريبا، وكنت أحاول أن أقنعه بأن يخفف قليلا من عنف مقالاته ولكنه كان لا يتزحزح عن مواقفه ويقول لي: «أنت خلقت كما أنت، وأنا خلقت هكذا.» وحدث أن هاجمه أحد الكتاب في صحيفة حزبية، وهاجم أباه دسوقي باشا بألفاظ لا تمت للأدب بصلة؛ فصمم أن يلجأ إلى القضاء، وكلف المحامي المعروف منير بك حتاتة - حما ابنه - أن يترافع في القضية، وكسبها، وحكم على الكاتب الصحفي بالسجن، وتدخل صحفيون وشخصيات معروفة لإقناعه بالتنازل عن القضية ولكنه صمد لكل هذه الضغوط، وقال لي: «قد أتنازل عن حقي، ولكن لن أتنازل عن حق أبي.» وكل كتاباته كان يكتبها في حجرة مكتبه في المنزل، ويغلق عليه الباب ولا يسمح لأحد بالدخول، ولا يحب أن ندخل عليه لنسأله إذا كان يريد قهوة أو شايا، إنما يحب أن يطلب هو في الوقت الذي يريده. وكان قد ذاع اسمه فسعى إليه الناشرون للنشر في المطابع المختلفة، ثم بعد ذلك عهد بكل أعماله دون استثناء لدار المعارف.

وإذا كان لي أن أصف أخلاقه فأشهد أنه كان عنده صفاء نفس كصفاء الأطفال، لا يعرف قلبه الحسد ولا الحقد، ولا ينطق إلا صدقا، طاهر القلب واليد والضمير، يسعد لسعادة الناس، وكان شموخه وهيبته تجبر الناس على احترامه وحبه في نفس الوقت، وكانت زوجة ابني دسوقي «جيهان» تقول: «إذا نطقنا باسم عمي ثروت فإن اسمه يكون كالكلمة السحرية؛ يسهل كل صعب ويذلل كل مشكلة في جميع المجالات، وفي جميع الأوساط، وهذا فضل من الله عليه.»

وقال لي المخرج المعروف منير التوني - وكانت تجمعه بثروت أعمال تليفزيونية كثيرة - قال لي: إنه طلب من ثروت طلبات لتعيين أقارب له وأصدقاء، وما إن سمع ثروت الطلب حتى رفع سماعة التليفون واتصل بالمسئولين وهو على علاقة طيبة بهم جميعا وفعلا أجابوه إلى طلبه في الحال.

وهذه قصة تستحق أن تروى، فالصحفي فاروق أباظة كان كاتبا في مجلة «المصور» ودأب على أن يهاجم «ثروت» على صفحات مجلته على مدى سنوات، ولكنه حين فاجأه مرض خطير يحتاج إلى العلاج في الخارج لم يلجأ إلا إلى ثروت أباظة الذي لم يتوان عن مساعدته، وطلب رئيس الوزراء في الحال ورجاه أن يسافر الصحفي على نفقة الدولة؛ وقد كان، وعاد إلى بلده سليما معافى وعاد أيضا بحب وبتقدير لثروت. وإحقاقا للحق أنه عندما هاجم الأستاذ جلال أمين «ثروت» بعد وفاته مباشرة بهجوم غير موضوعي بالمرة - ويكفي أنه يهاجم إنسانا ليس في إمكانه أن يرد عليه، وكان هذا الهجوم على صفحتين من جريدة العربي - تصدى له فاروق أباظة مدافعا عن ثروت بكل صدق وشهامة.

والأستاذ جلال أمين له سابقة مع ثروت ولكن في حياته؛ فقد كتب مقالا ينتقد فيه «ثروت» نقدا غير موضوعي يحس فيه بالحقد والكراهية، ولم يشأ ثروت أن يرد عليه أو العنف به، والمعروف أنه كان عنيفا في خصومته، ولكنه آثر الصمت إكراما لذكرى والد الأستاذ جلال أمين الأستاذ العالم الجليل أحمد بك أمين.

وقد كان أحمد بك أمين أول من أفسح لثروت صفحات مجلة الثقافة الشهيرة التي كان يرأس تحريرها في الأربعينيات، وكان ثروت لا يزال في البكالوريا - الثانوية العامة الآن - وبالطبع لم ينس لأستاذه أبوته ورعايته وتشجيعه.

وكانت كلمته عقدا ووعده حقا؛ فقد حدث أن باع قطنه في بلدته غزالة، واتفق مع التاجر على ثمن محدد ولكنه لم يكتب عقدا وإنما كان الاتفاق بكلمة، وفي اليوم التالي جاءه تاجر آخر بسعر أعلى بكثير، فقال له دون تردد: «أنا أعطيت كلمة أمس.» وعبثا حاول الذين حوله أن يذكروه بأنه لم يكتب عقدا، ولكنه أصر، وهذا هو خلقه.

Bog aan la aqoon