Waqtiga Falsafada iyo Sayniska
الزمان في الفلسفة والعلم
Noocyada
وتصور المستقبل يثير إحساسات متناقضة، فمن المبهج أن يتصور المرء المستقبل وقد تحققت فيه إمكانياته؛ ليشعر بوفرة وثراء الحياة، وبقدرته على خلق الجديد. إن المستقبل يحمل شجاعة الإقدام نحو الجديد، خصوصا في المرحلة المبكرة من الحياة، بيد أن هذا الشعور المبهج يصارعه شعور مضاد هو: من ناحية الخوف مما قد يخبئه المستقبل، وما يحيط به من غموض المجهول، ومن ناحية أخرى قصر الدوام الذي يتزايد مع كل عام يمضي من الحياة، فيجعلنا أقرب من النهاية المحتومة. وأخيرا نلقى النهاية ذاتها، بحتميتها وبكل ما يكتنفها من ظلام دامس، لا سبيل البتة إلى اختراقه، هذا بالإضافة إلى تهديد قائم بأن وجود المرء جملة وتفصيلا، قد يحكم عليه المستقبل بالفشل. والآن كيف يتصرف المرء إزاء المستقبل، بما يحويه من أمل وتهديد ونهاية لا فرار منها؟ البعض يحل هذه الإشكالية بتصويب النظر إلى المستقبل الفوري، والعمل على تحقيق إمكانياته وآماله، ويصرف النظر عن المستقبل الأبعد، اللحظة الأخيرة من مستقبل الإنسان أو وجوده، ربما كنا لا نستطيع أن نحيا بغير العمل على تحقيق إمكانيات المستقبل القريب، ولكن إذا فعل هذا دائما وفقط، فلن يستطيع أن يموت، فهل سيستطيع أن يحيا؟
25
إن تيليش يرمي إلى إيضاح أن الدين حين يعدنا بحياة مستمرة بعد الموت، فإنه يحمل قوة قهر المشاعر السلبية المحاقة بالزمان في المستقبل والنهاية المحتومة، وهي قوة لا تمس المشاعر الإيجابية، فضلا عن قوة الأبدية الكائنة فوق هذا وذاك. بعبارة موجزة، يعطينا تيليش في الفقرة السابقة صياغة فلسفية للمبدأ الإسلامي: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.» لكنها أبعد ما تكون عن صيغة الأمر الإلزامي، فهي صياغة وجودية؛ أي تستلزم التوتر الكيفي، وبالتالي الزمان اللاعقلاني في أكثر صوره حداثة؛ أي أكثر صوره إنسانية.
الفصل السادس
الزمان العقلاني
لم يكن أرسطو فيلسوفا ومؤسسا للميتافيزيقا فحسب، بل كان أيضا - وبنفس الدرجة - عالما فيزيقيا طبيعيا تجريبيا، ولأقصى حد تسمح به ثقافته التي دأبت على تمجيد النظر وتحقير العمل. وكانت عنايته بالشواهد والعينات التجريبية - حتى أوصى قواد تلميذه الإسكندر أن يجلبوها معهم من البلدان التي يفتحونها، كيما تكتمل بحوثه في النبات والأحياء - إرهاصا بأصوليات منهج العلم التجريبي.
هذه النزعة العلمية التجريبية جعلت زمان أرسطو هو الزمان العقلاني الموضوعي الكوزمولوجي الفلكي، فصحيح أنه قال: بغير النفس الإنسانية لن يكون هناك زمان، بل حركة غير محدودة وغير معدودة، وقال أيضا إن الوعي بالزمان لن يتم بغير تغير الحالات النفسية، ولكن يمكن اعتبار هذا شبيها بما يسمى بالمثالية العلمية المعاصرة، والتي تخلقت بين نفر من العلماء، حين أصبح العلم الذري المعاصر يرسم صورة للكون مخالفة تماما لصورته في الحس المشترك. فالواقع أن أرسطو ألغى الزمان اللاعقلاني إلغاء تاما من فلسفته، وتمادى في التصور العقلاني له حتى جعل الأبدية مجرد الامتداد اللانهائي له، رافضا رأي أفلاطون الحصيف في الفصل بينهما؛ أي وقع في الخلط بين اللامتناهي الكمي واللامتناهي الكيفي. وكما أوضحنا لم يكن لهذه المشكلة حل قبل تطور الرياضيات البحتة، وظهور حساب اللامتناهي.
والواقع أن الخلاف بين أفلاطون وأرسطو حول الأبدية، يعود لرفض أرسطو لفكرة العالم المخلوق، أو العالم الذي شكله الصانع الأفلاطوني. وكما أشرنا، رأى أفلاطون أن الزمان مخلوق مع العالم، ولكنه لم ينشغل البتة بتوقيت عملية الخلق المفترضة؛ لأنها ليست حدثا من النوع الذي يمكن الاستدلال على تاريخه مما يبدو من آثاره اللاحقة. وإذا كان لا بد وأن نؤرخها فلنقل إنها منذ تسعة آلاف عام مضت، فهذا في تقدير أفلاطون الفترة التي انقضت على ما ترويه الأقاصيص المتواترة عن القدماء بشأن الصراع الذي حدث بين الأثينيين وبين رجال أطلنطيس. ومع هذا، نجد أفلاطون في مواضع عديدة يستبعد تماما السؤال عن تاريخ الخلق، بوصفه سؤالا أبله بغير معنى، أما أرسطو فقد رفض بدء الزمان وبدء العالم، من حيث رفض فكرة الخلق. بتعبير الإسلاميين قال إن العالم قديم غير حادث والزمان قديم غير حادث، وأكد أن النظام الطبيعي أبدي ثابت، وليس له أية بداية زمنية في الماضي، ولا نهاية متوقعة في المستقبل، ولم ينظر أبدا إلى السؤال: متى بدأ العالم؟ بل، كيف؟ ولماذا انتظم على هذا النحو؟ وأكد أن أية فكرة عن بداية كل الأشياء لن تساعدنا، بل ولا يوجد ما يدعو لافتراضها أصلا. وبذلك انتهى أرسطو إلى أن الزمان بلا بداية ولا نهاية، لا متناه، وأيضا غير متسق مع فكرة لحظة الخلق، وأن هذه النتيجة الميتافيزيقية المنطقية تدعمها الملاحظة التجريبية، فنحن لا نلاحظ أية واقعة توحي بأن نظام الطبيعة ليس أبديا. وأخذ أرسطو على أفلاطون أنه جلب الزمان مع الخلق نفسه إلى الوجود في لحظة معينة؛ لذا لا بد وأن نسأل: ماذا كان قبلها؟ واعتمد أرسطو على حرفية نصوص في محاورة طيماوس ليخرج بأن الوجود عند أفلاطون حدث في آن معين من آنات الزمان، رأينا أفلاطون يعجز عن تحديده بدقة، أو يتراجع عن هذا، وينتهي أرسطو إلى أن نظرة أفلاطون غير متسقة مع نفسها، ولكن تلاميذ أفلاطون رفضوا هذا التأويل الأرسطي، وذهبوا إلى أن عملية الخلق نوع من البناء العقلي، يفسر أسس النظام لا نقطة بدئه.
1
وعلى أية حال، فإن العالم الأرسطي قديم خالد أزلي أبدي؛ ليغدو الزمان بدوره هكذا، «وكذلك الحركة الدائرية الموجودة فيه. وعلى أساس من أبدية الزمان والحركة، يثبت أرسطو وجود المحرك الذي لا يتحرك.»
Bog aan la aqoon