Dhacdada Mad-da iyo Jazradda Baddaha
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Noocyada
بعدها يتناول المسعودي مختلف الآراء التي طرحت في عصره، وناقشت سبب حدوث هذه الظاهرة، وكيف انقسم الناس إلى فرق حول ذلك. فمنهم من قال إن سبب المد والجزر هي الحرارة التي يسخن بها القمر المياه، وهي نظرية الكندي.
قال المسعودي: «وقد تنازع الناس في علة المد والجزر؛ فمنهم من ذهب إلى أن ذلك من القمر؛ لأنه مجانس للماء، وهو يسخنه، فينبسط، وشبهوا ذلك بالنار إذا أسخنت ما في القدر وأغلته، وإن الماء يكون فيها على قدر النصف أو الثلثين، فإذا غلى الماء انبسط في القدر وارتفع وتدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس، وينقص في الوزن؛ لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ، ومن شرط البرودة أن تضمها، وذلك أن قعور البحار تحمى فتتولد في أرضها عقبة وتستحيل وتحمى كما يعرض ذلك في البلاليع والآبار، فإذا حمي ذلك الماء انبسط، وإذا انبسط زاد، وإذا زاد ارتفع، فدفع كل جزء منه صاحبه، فطفا على سطحه وبان عن قعره، فاحتاج إلى أكثر من وهدته، وإن القمر إذا امتلأ حمي الجو حميا شديدا فظهرت زيادة الماء، فسمي ذلك المد الشهري، وإن هذا البحر تحت معدل النهار آخذا من جهة المشرق إلى المغرب ودور الكواكب المتحيرة عليه مع ما يساميه من الكواكب الثابتة إذا كانت المتحيرة في القدر مثل الميل على تجاوزه، وإذا زالت عنه كانت منه قريبة فاعلة فيه من أوله إلى آخره في كل يوم وليلة، وهي مع ذلك في الموضع المقابل الحمي، فقليل ما يعرض فيه من الزيادة ويكون في النهر الذي يعرض فيه المد بينا من أطرافه وما يصب إليه من سائر المياه».
49
ثم يستعرض رأي مجموعة أخذت بالرأي القائل إن الأبخرة المحتقنة بباطن الأرض هي السبب في توليد الظاهرة. «وقالت طائفة أخرى: لو كان الجزر والمد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء الذي في القدر وبسطته فيطلب أوسع منها فيفيض حتى إذا خلا قعره من الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الأرض بطبعه فيرجع اضطرارا بمنزلة رجوع ما يغلي من الماء في المرجل والقمقم إذا فاض وتتابعت أجزاء النار عليه بالحمي، لكان في الشمس أشد سخونة. ولو كانت الشمس علة مده لكان يمد مع بدء طلوع الشمس، ويجزر مع غيبتها فزعم هؤلاء أن علة الجزر والمد في الأبحر تتولد من الأبخرة التي تتولد من بطن الأرض؛ فإنها لا تزال تتولد حتى تكثف وتكثر فتدفع حينئذ ماء هذا البحر لكثافتها فلا تزال كذلك حتى تنقص موادها من أسفل، فإذا انقطعت موادها تراجع الماء حينئذ إلى قعر البحر، وكان الجزر من أجل ذلك، والمد ليلا ونهارا، وشتاء وصيفا، وفي غيبة القمر وفي طلوعه، وكذلك في غيبة الشمس وطلوعها، قالوا: وهذا يدرك بالحس؛ لأنه ليس يستكمل الجزر آخره حتى يبدأ أول المد، ولا ينقضي آخر المد حتى يبتدئ أول الجزر؛ لأنه لا يتغير توالد تلك البخارات، حتى إذا خرجت تولد غيرها مكانها، وذلك أن البحر إذا غارت مياهه ورجعت إلى قعره تولدت تلك الأبخرة لمكان ما يتصل منها من الأرض بمائة، وكلما عاد تولدت، وكلما فاض نقصت.»
50
وترى جماعة أخرى أن سبب المد والجزر هو البنية المادية لمياه البحر، التي تتراوح بين القوة والضعف. «وقال آخرون: ما هيجان ماء البحر إلا كهيجان بعض الطبائع، فإنك ترى صاحب الدم وصاحب الصفراء وغيرهما تهتاج طبيعته ثم تسكن، وكذلك مواد تمدها حالا بعد حال، فإذا قويت هاجت، ثم تسكن قليلا قليلا حتى تعود.»
51
وتأخذ الفرقة الأخيرة بالرأي القائل إن الهواء المحيط بالبحار هو السبب في تشكيل المد والجزر؛ كون الهواء يخضع لدورة تبادلية دائمة التحرك بينه وبين مياه البحر. «وذهبت طائفة أخرى إلى إبطال سائر ما وصفنا من القول، وزعموا أن الهواء المطل على البحر يستحيل دائما، فإذا استحال عظم ماء البحر وفاض عند ذلك، وإذا فاض البحر فهو المد، فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتنفس فيستحيل هواء فيعود إلى ما كان عليه، وهو الجزر، وهو دائم لا يفتر، متصل مترادف متعاقب؟ لأن الماء يستحيل هواء، والهواء يستحيل ماء، قالوا: وقد يجوز أن يكون ذلك عند امتلاء القمر أكثر؛ لأن القمر إذا امتلأ استحال الهواء أكثر مما كان يستحيل، وإنما القمر علة لكثرة المد، لا للمد نفسه؛ لأنه قد يكون والقمر في محاقه، والمد والجزر في بحر فارس يكونان على مطالع الفجر في الأغلب من الأوقات.»
52
بعدها يحدثنا المسعودي عن الذي وصله من أصحاب الخبرات العملية من البحارة. فقد وجد هؤلاء أن المد والجزر يحدث بشكل سنوي في المحيط الهندي وبحر الصين. «وقد ذهب كثير من نواخذة (رؤساء السفن) هذا البحر وهم أرباب المراكب، من السيرافيين والعمانيين ممن يقطعون هذا البحر ويختلفون إلى عمائره من الأمم التي في جزائره وحوله إلى أن المد والجزر لا يكون في معظم هذ البحر إلا مرتين في السنة: مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طغا الماء في مشارق الأرض بالصين وما وراء ذلك الصقع وانحسر بالصين من مغارب البحر، ومرة يمد في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر، فإذا كان الصيف طغا الماء في مغارب البحر وانحسر بالصين، وقد يتحرك البحر بتحرك الرياح، وإن الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية لعلل ذكروها فيسيل ماء البحر بحركة الهواء إلى الجهة الجنوبية، فكذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية عالية، وتقل المياه في جهة البحار الشمالية، وكذلك إذا كانت الشمس في الجنوب وسال الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال سال معه ماء البحر من الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية، فقلت المياه في الجهة الجنوبية منه، وينتقل ماء البحر في هذين الميلين أعني في جهتي الشمال والجنوب فيسمى جزرا ومدا، وذلك أن مد الجنوب جزر الشمال ومد الشمال جزر الجنوب، فإن وافق القمر بعض الكواكب السيارة في أحد الميلين تزايد الفعلان وقوي الحمي واشتد لذلك سيلان الهواء فاشتد لذلك انقلاب ماء البحر إلى الجهة المخالفة للجهة التي ليس فيها الشمس.»
Bog aan la aqoon