وإن كان المشارك له في الفعل أضعف منه، وهو موافق له في الفعل غير مناقض له، رئي فعله أقوى.
والمد والجزر اليومي، كما حددنا، أكبر الفعل فيه للقمر. فإذا كان القمر يتحرك حركة اليوم والليلة، التي هي حركة الدوائر المتوازية، ففعله واحد من قبله. وليس يمكن أن يكون المد أبدا لحركة القمر اليومية، فيكون لا نهاية له، وينطبق وجه الأرض كله بالماء، بل يصير مواضع العناصر كلها وما فوقها، وتبطل العناصر وما فوقها.
وليس يمكن أن تستحيل العناصر بكليتها إلى عنصر واحد. ولا يمكن أن يستحيل الذي لا ضد له مما فوق العناصر؛ فإذن يكون ما لا يكون، إن كان مد بلا نهاية، وتكون أجرام العالم كلها ليس إلا ماء فقط.
فإذن باضطرار أن يكون مدا وجزر، لتكون الأشياء ثوابت على سرح واحد ونظم واحد وتدبير واحد، أيام مدتها التي قسم لها مبدع الكل، تبارك وتعالى. فما أعجب ما هيأت حكمته الجليلة اللطيفة في سبلها، من التقدير في الغرض ، من جهة المنفعل؛ إذ كان الفاعل واحدا غير متبدل. فإنها صيرت هذه المواضع الأربعة، المسماة أوتاد العالم، لكل موضع من الأرض وما عليها من الكائنة الفاسدة، أسبابا لقبول اختلاف الفعل من الفاعلة الحالة لها.
فإن القمر إذا صار في مشرق موضع كان أول وقوع ضوئه عليه، فابتدأ في الحمي وقبول الزيادة في الأجزاء، إلا أن [ذلك] أظهر ما يكون في الماء، فكلما علا، كان حمي ذلك الموضع له أشد، حتى يصير في وتد سمائه، فهو نهاية قبول ذلك [الموضع] للحرارة، لحركة القمر، ونهاية مده؛ لأن الأجرام، كلما حميت احتاجت إلى مكان أوسع، كما قلنا متقدما.
فإذا انحدر عن ذلك الموضع الذي هو وسط السماء نقص حر الموضع من الأرض
10
المنفعل به، بقدر ما انحط، وبردت أجرام ذلك الموضع، فاحتاجت إلى مكان أضيق، فجزر الماء، أعني نقص، ثم لم يزل متزايدا في الجزر.
ولذلك ما قلنا إن حلوله في كل وتد يضاد الوتد الذي قبله، لأن النهاية فيه في البعد في الدور، أعني [نهاية] التصعد ونهاية الهبوط.
فإذن وسط السماء يضاد المشرق في الفعل، والمغرب يضاد وسط السماء في الفعل، ووسط السماء يضاد المغرب في الفعل، والمشرق يضاد وتد الأرض في الفعل.
Bog aan la aqoon