فتبين إذن أن رسم المد الذي في الأودية والفيوض والأنهار والأحساء إنما هو زيادة الماء فيها بمواد تصب إليها. فأما العيون، فقد تكون الزيادة فيها بعلتين:
إحداهما أن هذه [المواد] النازلة من العلو تصير إلى الأرض، فتقبلها بطون الأرض، وأن لها بطونا، أعني أودية في باطنها، كالعروق في أبدان الحيوان، التي يجري فيها الدم، ثم تظهر في بعض المواضع بإحدى حالتين :
إما أن ترشح إلى تربة ظاهرة أو باطنة؛ فإن كانت ظاهرة سميت عينا متوشلة، وإن كانت باطنة، فانتهى الحفر بالمهنة إليها، سميت قليبا، وإن كان ظهور الماء فيها رشحا بريا سميت حسيا. وهذا الحسي أيضا على حالتين (كذا):
إما قريب من وجه الأرض، فيسمى حسيا، ولا يعبر عن اسمه، وإما أن يكون بعيدا من وجه الأرض، فيسمى ركيا، وهذه الركايا أيضا: إما أن تكون مفردة أو حادا، فتسمى بأسمائها: ركايا فقط.
وإما أن تكون كثيرة، تنبعث من بعضها إلى بعض لقربها، حتى تجتمع بمائها أجمع في ركي، فتسمى فقيرا. وهذا الفقير، وهذه الفقر، إنما أسيحت على وجه الأرض، إذا كانت مبتدأ ركاياها من مواضع أعلى، وحطت إلى مواضع أسفل وأهبد، وكان من الأرض شيء أهبط وجها من وجه الماء، الذي في الفقير الأعظم، الذي يفيض إليه ماء الركايا.
وربما لم تكن إساحته على وجه الأرض، فينزع بالدلاء، فما كان منها غزير الماء غير منقطع في دور السنة كلها سميت السدم والأعداد. وقد تسمى سوائل هذه الرشوح عيونا بالاسم المستعار.
فأما العين خاصة فهي النوع الآخر، وهي الخروق المنفجرة من بطون الأرض انفجارا. وبطون الأرض هذه تقبل الماء على وجهين:
أما إحدى الجهتين فما حددنا من [الماء] النازل من العلو والواصل إلى بطون الأرض بالنشف؛ والثاني الداخل من وجه الأرض من خروق المغارات التي في بطونها، أعني الأودية التي في بطونها. وكذلك خروجها لمعنيين اثنين:
أما أحدهما فبالرشح.
والآخر بانفجار من الخروق التي حددنا، تسيل وتسيح على وجه الأرض، وهذه هي المسماة عيونا فوارة؛ لأن الفائر منها [ما] كان على وجه الأرض سيله.
Bog aan la aqoon