ويروى عن الأصمعي أنه قال: المسكين أحسن حالًا من الفقير. وبذلك كان أبو جعفر أحمد بن عُبَيد يقول. وهو القول الصحيح عندنا؛ لأن الله تعالى (٥٠ / ب) قال: ﴿أمّا السفينةُ فكانت لمساكين يعملون / في البحر فأَرَدْتُ أنْ أَعِيبَها﴾ (٢٠٤)، فأخبر أن للمساكين (٢٠٥) سفينة من سفن البحر، وهي تساوي جملة من المال. وقال تعالى: ﴿للفقراءِ الذين أُحْصِروا في سبيلِ اللهِ لا يستطيعونَ ضَرْبًا في الأرض يحسبُهُمُ الجاهلُ أغنياءَ من التعفُّفِ تعرِفُهُم بسيماهُم لا يسألونَ الناسَ إلحافًا﴾ (٢٠٦) فهذه الحال التي أخبر بها ﵎ عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين.
والذي احتج به يونس من أنه قال لأعرابي: أَفقيرٌ أنت؟ فقال: لا واللهِ، (٢٢٦) بل مسكينٌ، يجوز أن يكون أراد: لا والله، بل أنا أحسن حالًا من الفقير. والبيت الذي احتج به ليست له فيه حجة (٢٠٧)، لأن المعنى: كانت لهذا الفقير حلوبة فيما مضى، وليست له في هذا الحال حلوبة.
والفقير معناه في كلام العرب: المفقور الذي نُزِعَتِ فِقَره من ظهره، فانقطع صُلْبُهُ من شِدَّة الفَقْر. فلا حال هي أوكد من هذه. قال الشاعر (٢٠٨):
(لما رأى لُبَدُ النسورَ تطايَرَتْ ... رَفَعَ القوادِم كالفقيرِ الأَعْزَلِ)
أي: لم يطق الطيران، فصار بمنزلة من انقطع صُلْبه.
والدليل على هذا قول الله ﷿: ﴿أو مسكينًا ذا مَتْربةٍ﴾ (٢٠٩) معناه: أو مسكينًا لصق بالتراب من شدة الفقر. فلما نعته ﷿ بهذا النعت، علمنا أنه ليس كل مسكين على هذه الصفة. ألا ترى أنك إذا قلت: اشتريت ثوبًا ذا