وقد أعجب الناس بالملك وبزديج، وتلقى القاضي الذي نزل عن ثروته، والعاشق الذي زوج خليلته من صديقه، والجندي الذي آثر سلامة أمه على عشيقته هدايا الملك، ورأوا أسماءهم تسجل في سجل الكرماء، وتلقى زديج الكأس، واشتهر الملك بأنه ملك عظيم خير، ولكنه لم يحتفظ بهذه الشهرة وقتا طويلا، واختص هذا اليوم بأعياد أطول مما قرر القانون، وما زال الناس يذكرون هذه الأعياد في آسيا إلى الآن، وكان زديج يقول: «إني إذن لسعيد.» ولكنه كان مخطئا.
الفصل السادس
الوزير
وقد فقد الملك وزير الأكبر فاختار زديج ليشغل هذا المنصب، وصفقت لهذا الاختيار حسان بابل جميعا، فلم تعرف الدولة منذ إنشائها وزيرا له هذا الشباب، وحزن رجال القصر جميعا حتى انتهى الأمر بالحسود إلى السل الذي انتهى به إلى أن يبصق دما، وورم أنفه ورما مروعا.
أما زديج فقد رفع شكره إلى الملك والملكة، ثم ذهب ليهدي شكره إلى الببغاء قائلا لها: «أيها الطائر الجميل، لقد أنقذت حياتي، وجعلتني وزيرا أكبر، ما أكثر ما أساءت إلي كلبة الملكة وجواد الملك، وما أكثر ما قدمت إلي أنت من الإحسان! وكذلك يتعلق مصير الناس بأوهى الأسباب.» ثم أضاف إلى ذلك قوله: «ولكن هذه السعادة الغريبة خليقة أن يكون أمدها قصيرا.» قالت الببغاء: «نعم!» فوجم زديج هذا الجواب، ولكنه على ذلك كان عالما بطبائع الأشياء والأحياء، وكان يعرف أن الببغاء لم تطلع قط على علم الغيب، فلم يلبث أن عاد إلى الثقة والاطمئنان، ونهض بأعباء الوزارة على أحسن وجه ممكن.
فأشعر الناس جميعا بما للقوانين من سلطان مقدس، ولم يشعر أحدا ما بثقل كبريائه الخاصة، ولم يفرض رأيه على الديوان، وإنما كان لكل وزير أن يجهر برأيه دون أن يسوءه أو يتعرض لسخطه، وكان إذا جلس للقضاء لم يقض هو، وإنما كان يترك القضاء للقانون، ولكنه كان يلطف القانون إن آنس فيه قسوة أو غلوا في العنف، وكان إذا حدثت واقعة لم يعرض لها القانون قضى فيها بالعدل حتى كأنه زرادوشت.
فمنه تعلمت الأمم هذا المبدأ الخطير، وهو أن إنقاذ المجرم خير من الحكم على البريء، وكان يعتقد أن القوانين شرعت لإغاثة المواطنين كما شرعت لإخافتهم، وكان يمتاز بالحرص على إظهار الحقيقة التي يحرص الناس كلهم على إخفائها.
ولم يكد ينهض بأعباء الحكم حتى انتفع فيه بذكائه كله، وكان تاجر كبير من تجار بابل قد قضى نحبه في الهند، وكان قد قسم ثروته بين ابنيه قسمة عدلا على أن يزوجا أختهما، ثم ترك ثلاثين ألف دينار ذهبا على أن تكون منحة لأي ابنيه يظهر أنه أشد حبا لأبيه؛ فأما الابن الأكبر فاتخذ لأبيه قبرا، وأما ابنه الأصغر فزاد من نصيبه في الميراث مهر أخته، وكان الناس يقولون: «إن الابن الأكبر مؤثر أباه، على حين أن الابن الأصغر يؤثر أخته، فللابن الأكبر يجب أن تئول هذه الثلاثون ألفا من الدنانير.»
أما زديج فدعاهما إلى المثول بين يديه واحدا في إثر صاحبه، وقال للأكبر: «إن أباك لم يمت، وإنما برئ من علته الأخيرة، وعاد إلى بابل.» قال الفتى: «الحمد لله، ولكن هذا القبر قد كلفني كثيرا من المال!» قال زديج للابن الأصغر ما قاله لأخيه، فقال: «الحمد لله لأردن إلى أبي نصيبي من الميراث، ولكني أود لو ترك لأختي ما قدمت إليها منه.» قال زديج: «لن ترد شيئا، وستساق إليك الثلاثون ألفا من الدنانير، فأنت الذي تؤثر أباك بالحب.»
وكانت فتاة عظيمة الثراء قد وعدت كاهنين بالزواج، وبعد أن تثقفت أشهرا على الكاهنين أصبحت حاملا ذات يوم، وكان كلا الكاهنين يريد أن يتخذها لنفسه زوجا، أما هي فأعلنت أنها لن تختار منهما إلا الذي أتاح لها أن تمنح الدولة مواطنا جديدا، قال أحدهما: «فأنا الذي أتاح لها هذا المواطن.» قال الآخر: «بل أنا الذي أتيحت له هذه المزية.» قالت الفتاة: «فإني أختار منكما أيكما يكون أقدر على أن يربي الطفل تربية ممتازة.» وقد ولدت غلاما وتنافس الكاهنان في تربيته، وقد رفعت القضية إلى زديج، فدعا الكاهنين وقال لأولهما: «ماذا تريد أن تعلم الصبي؟» قال الكاهن: «سأعلمه الخطابة والمنطق والفلك وخصائص الشياطين، وسأعلمه حقيقة الجوهر والعرض والمجرد والمركب، والوحدات التي يتألف منها الكون والنظام الذي سبق به القضاء.» وقال الكاهن الآخر: «سأحاول أن أجعله عدلا خليقا بأن يكون له أصدقاء.» قال له زديج: «لتكن أباه أو لا تكن، فأنت الذي سيتزوج أمه.»
Bog aan la aqoon