الجزء الأول مقدمة التحقيق (بسم الله الرّحمن الرّحيم) الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله، أرسله على فترة من الرّسل، وضلال من الناس، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى، وأيّده بالمعجزات الباهرة والآيات الساطعة الدالّة على صدقه وصدق دعوته. ومن أهم تلك المعجزات التي أعزّ الله بها نبيّه، وهذه الأمّة، كتاب الله وكلامه المنزّل على محمد ﷺ. ترجمة ابن الجوزي «١» هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيميّ البكري الحنبليّ، الواعظ، ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصدّيق، واشتهر بابن الجوزي نسبة إلى شرعة الجوز، إحدى محالّ بغداد بالجانب الغربي، وقيل: نسبة إلى جوزة كانت في دار جدّه السابع جعفر بن عبد الله بواسط. ولد ابن الجوزي ببغداد سنة ٥٠٨ هـ وقيل سنة ٥١٠ هـ، وقيل سنة ٥١٤ هـ. ولما ترعرع حفظ القرآن وقرأه على جماعة بالروايات، ثم طلب العلم على جمع كثير من العلماء. وقد اشتغل بالوعظ وأوتي حظا عظيما وصيتا بعيدا فيه، فكان يحضر مجالسه الملوك والوزراء والأئمة الكبار. وكان مجلسه لا ينقص عن ألوف كثيرة حتى قيل في بعض مجالسه: إنه حزر الجمع بمائة ألف. _________ (١) انظر عنه في: التكملة لوفيات النقلة ١/ ٣٩٤، ٣٩٥ رقم ٦٠٨، ومشيخة النعّال ١٤٠- ١٤٢، ورحلة ابن جبير ١٩٦- ٢٠٠، والتقييد لابن نقطة ٣٤٣، ٣٤٤ رقم ٤٢٢، ومرآة الزمان ج ٨ ق ٢/ ٤٨١- ٥٠٢، ووفيات الأعيان ٣/ ١٤٠- ١٤٢ رقم ٣٧٠، وتذكرة الحفاظ ٤/ ١٣٤٢، ١٣٤٨، وذيل طبقات الحنابلة ١/ ٣٩٩- ٤٣٣، والوافي بالوفيات ١٨/ ١٨٦- ١٩٤ رقم ٢٣، وتاريخ الإسلام للذهبي (٥٩١- ٦٠٠) ص ص ٢٨٧- ٣٠٥ رقم ٣٧١، وسير أعلام النبلاء له ٢١/ ٣٦٥- ٣٨٤ رقم ١٩٢، وشذرات الذهب ٤/ ٣٢٩- ٣٣١، ومعجم المؤلفين ٥/ ١٥٧، ١٥٨، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين ١٠٩ رقم ١٠٦٣.

1 / 7

قال الشيخ موفق الدين المقدسي: «كان ابن الجوزي إمام عصره في الوعظ، وصنّف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، وكان يدرّس الفقه ويصنّف فيه، وكان حافظا للحديث وصنّف فيه..» . وقال ابن رجب: نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتدّ نكيرهم عليه في ذلك.. ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف وهو وإن كان مطلقا على الأحاديث والآثار فلم يكن يحلّ شبه المتكلمين وبيان فسادها. وكان ابن الجوزي معظّما لأبي الوفاء بن عقيل متابعا لأكثر ما يجده من كلامه، وإن كان قد ردّ عليه في بعض المسائل. وكان ابن عقيل بارعا في الكلام، ولم يكن تامّ الخبرة بالحديث والآثار. فلهذا يضطرب تأويله في هذا الباب وتتلوّن فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلوّن. وتصانيف ابن الجوزي كثيرة جدة بلغت، فيما قيل، خمسين ومائتين كتاب، وقد نقل ابن رجب عن ابن القطيعي أن ابن الجوزي ناوله كتابا بخطه سرد فيه تصانيفه. قال ابن الجوزي: أول ما صنّفت وألّفت ولي من العمر ثلاث عشرة سنة. ومن تصانيفه في التفسير: المغني- تذكرة الأريب في معرفة الغريب- نزهة العيون النواظر في الوجوه والنظائر- عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ- زاد المسير في علم التفسير وهو الكتاب الذي نقدّم له. وفي التوحيد وعلم الكلام: دفع شبه التشبه- منهاج الوصول إلى علم الأصول. وفي علم الحديث: جامع المسانيد- غرر الأثر- الموضوعات- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. كما صنف في الفقه وفي التاريخ والوعظ وعلم الرجال «١» . توفي ابن الجوزي ليلة الجمعة بين العشاءين الثاني عشر من شهر رمضان سنة ٥٩٧ هـ/ ١٢٠١ م، وله من العمر سبع وثمانون سنة. وحملت جنازته على رؤوس الناس، وكان الجمع كثيرا جدا، ودفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من الإمام أحمد بن حنبل. وكان يوما مشهودا حتى قيل: إنه أفطر جماعة من كثرة الزحام وشدة الحر. وكان قد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات: يا كثير العفو يا من ... كثرت ذنوبي لديه جاءك المذنب يرجو ... الصّفح عن جرم يديه أنا ضيف وجزاء ... الضيف إحسان إليه _________ (١) وضع عبد الحميد العلوجي كتابا بعنوان «مؤلفات ابن الجوزي» طبع في بغداد سنة ١٩٦٥. كما نشرت ناجية عبد الله إبراهيم رسالة بعنوان «ابن الجوزي- فهرست كتبه» في مجلة المجمع العلمي العراقي، العدد ٣١، ١٩٨٠.

1 / 8

زاد المسير في علم التفسير أقبل المسلمون على كتاب ربهم وكلام خالقهم دراسة وحفظا وعملا، وألّفوا في علومه كتبا ومؤلفات عديدة في التفسير والقراءات واستنباط الأحكام والإعجاز والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول والغريب والمبهمات والفضائل والقصص وغير ذلك. ومن أهم كتب التفسير للقرآن الكريم كتاب «زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي الذي عمد إلى كتب الذين سبقوه في التفسير فأشبعها دراسة واستفاد من الثغرات التي كانت في تفاسيرهم، ووضع تفسيره هذا مخلّصا إياه من التطويل المملّ ومن الاختصار المخلّ. وقال في مقدمة كتابه: (... أني نظرت في جملة من كتب التفسير فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه، وصغير لا يستفاد كل المقصود منه، والمتوسط منها قليل الفوائد، عديم الترتيب، وربما أهمل فيه المشكل وشرح غير الغريب، فأتيتك بهذا المختصر اليسير، منطويا على العلم الغزير، ووسمته ب «زاد المسير في علم التفسير») . فجاء كتابه وسطا بين التفاسير الطويلة والمختصرة الشديدة الاختصار، مع تميّزه بجملة من الخصائص، إضافة إلى أسلوب ابن الجوزي السّلس المتين والسهل الممتنع. ومن هذه الخصائص أنه تحدّث عمن نزلت بعض الآيات فيهم، وذكر القراءات المشهورة والشاذة أحيانا، وتوقف عند الآيات المنسوخة والتي اختلف العلماء حولها أمنسوخة هي أم لا؟ وأورد أقوال العلماء بهذا الصدد، بالإضافة إلى ردّه كل قول إلى مصدره معتمدا على علماء اللغة مثل: ابن قتيبة وأبي عبيدة والخليل بن أحمد الفراهيدي وعلى النحاة مثل: الفرّاء والزجّاج والأخفش والكسائي ومحمد بن القاسم النحوي وعلى القرّاء مثل: الجحدري وعاصم وغيرهم. منهج التحقيق عملنا في هذا الكتاب على: - تخريج الأحاديث المرفوعة، وما له حكم الرفع تخريجا وافيا. - تصدير التخريج بقولنا «صحيح»، «حسن»، «ضعيف» ... وذلك تسهيلا على الطالب واختصارا لوقته. - ترقيم الأحاديث المخرجة ترقيما تسلسليا. - تصويب ما وقع فيه تصحيف أو تحريف. - تخريج الآيات وذلك بذكر اسم السورة ورقم الآية. - شرح بعض المفردات الغربية. هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل متقبلا وأن ينفع به المؤمنين إنه خير سميع وخير بصير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1 / 9

خطبة الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم) ربّ يسّر وأعن الحمد لله الذي شرّفنا على الأمم بالقرآن المجيد، ودعانا بتوفيقه على الحكم إلى الأمر الرشيد، وقوّم به نفوسنا بين الوعد والوعيد، وحفظه من تغيير الجهول وتحريف العنيد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. أحمده على التوفيق للتحميد، وأشكره على التحقيق في التوحيد، وأشهد أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، شهادة يبقى ذخرها على التأبيد، وأن محمّدا عبده ورسوله أرسله إلى القريب والبعيد، بشيرا للخلائق ونذيرا، وسراجا في الأكوان منيرا، ووهب له من فضله خيرا كثيرا، وجعله مقدّما على الكلّ كبيرا، ولم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا، ونهى أن يدعى باسمه تعظيما له وتوقيرا، وأنزل عليه كلاما قرّر صدق قوله بالتحدي بمثله تقريرا، فقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا «١» . فصلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأشياعه، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد لمّا كان القرآن العزيز أشرف العلوم، كان الفهم لمعانيه أو في الفهوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وإني نظرت في جملة من كتب التفسير، فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه، وصغير لا يستفاد كل المقصود منه، والمتوسّط منها قليل الفوائد، عديم الترتيب، وربما أهمل فيه المشكل، وشرح غير الغريب، فأتيتك بهذا المختصر اليسير، منطويا على العلم الغزير، ووسمته ب «زاد المسير في علم التفسير» . وقد بالغت في اختصار لفظه، فاجتهد- وفّقك الله- في حفظه، والله المعين على تحقيقه، فما زال جائدا بتوفيقه. فصل في فضل علم التفسير (١) روى أبو عبد الرحمن السّلميّ، عن ابن مسعود قال: كنا نتعلّم من رسول الله ﷺ العشر، فلا _________ صحيح. أخرجه الطبري ٨٢ من طريق عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا ... فذكره. والسلمي أحد تلامذة ابن مسعود، فهو المراد، وكأنه أراد أنه سمع مثل ذلك عن غير ابن مسعود حيث لم يسمه. وأخرجه الطبري ٨١ من وجه آخر عن أبي وائل عن ابن مسعود وإسناده صحيح على شرط مسلم. _________ (١) الإسراء: ٨٨.

1 / 11

نجاوزها إلى العشر الأخر حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل. وروى قتادة عن الحسن أنّه قال: ما أنزل الله آية إلا أحبّ أن أعلم فيم أنزلت، وماذا عنى بها. وقال إياس بن معاوية: مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا، وليس عندهم مصباح، فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه، فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه. فصل: اختلف العلماء: هل التّفسير والتّأويل بمعنى، أم يختلفان؟ فذهب قوم يميلون إلى العربية إلى أنهما بمعنى، وهذا قول جمهور المفسّرين المتقدّمين. وذهب قوم يميلون إلى الفقه إلى اختلافهما، فقالوا: التفسير: إخراج الشيء من مقام الخفاء إلى مقام التّجلّي. والتأويل: نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، فهو مأخوذ من قولك: آل الشيء إلى كذا، أي: صار إليه. فصل في مدّة نزول القرآن روى عكرمة عن ابن عباس قال: أُنزلَ القرآنُ جملة واحدة من اللّوح المحفوظ في ليلة القدر إلى بيت العزّة، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة «١» . وقال الشعبي: فرّق الله تنزيل القرآن، فكان بين أوله وآخره عشرون سنة. وقال الحسن: ذكر لنا أنه كان بين أوّله وآخره ثماني عشرة سنة، أنزل عليه بمكة ثماني سنين، وبالمدينة عشر سنين. فصل: واختلفوا في أول ما نزل من القرآن: (٢) فأثبت المنقول أنّ أول ما نزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «٢»، رواه عروة عن عائشة وبه قال _________ صحيح. أخرجه البخاري ٣ ومسلم ١٦٠ وأحمد ٦/ ٢٣٢- ٢٣٣. والطيالسي ١٤٦٧ وابن حبان ٣٣ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ١٣٥- ١٣٦ من حديث عائشة أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» قال: «فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ! قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ! قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» . فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ﵂ فقال: «زملوني زملوني»، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي» فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى- ابن عم خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله ﷺ: «أو مخرجي هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي. واللفظ للبخاري. _________ (١) موقوف حسن، وسيأتي تخريجه إن شاء الله. (٢) العلق: ١.

1 / 12

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.