Hogaamiyaha Kacaanka Axmed Caraabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Noocyada
فأخذ المجلس في التحقيق، وسأل من عرفت أسماؤهم من المتآمرين ... فدلوا على ثمانية عشر ضابطا مشتركين معهم في المؤامرة، فأمر المجلس بالقبض عليهم وأخذ في استجوابهم، فدل هؤلاء أيضا على غيرهم، فقبض عليهم ... حتى بلغ عدد المعتقلين نحو أربعين ضابطا، وفي مقدمتهم عثمان باشا رفقي وزير الحربية السابق وخصم عرابي اللدود، وقد سيق المقبوض عليهم إلى سكنة قصر النيل وعوملوا بالغلظة والشدة.
واختلفت الآراء في حقيقة هذه المؤامرة، فقال بعض الرواة: إنها مؤامرة حقيقية، كان القصد منها اغتيال رؤساء الحزب العسكري وفي مقدمتهم عرابي، وقال البعض الآخر: إنها مؤامرة خيالية قوامها فزع عرابي وخوفه على حياته، فصدق الرواية التي خلقتها أوهام المفسدين وأراد الانتقام من خصومه، وقد كان عرابي لا يفتأ تساوره الهواجس من ناحية خصومه.
وفي 30 أبريل سنة 1882 أصدر المجلس حكمه في القضية، وهو يقضي على الأربعين ضابطا المتهمين بالنفي المؤبد إلى أقاصي السودان، مع تجريدهم من الرتب العسكرية والامتيازات والنياشين، وأن يكونوا متفرقين في الجهات التي ينفون إليها، ولا تكون هذه الجهات في مركز الحكمدارية «الخرطوم» ولا المديريات ولا السواحل، وصدر هذا الحكم أيضا على اثنين من غير العسكريين مع تجريدهما من الحقوق المدنية، وأحيلت محاكمة خمسة غيرهما إلى المحاكم الأهلية. وحكم على راتب باشا الذي عد محركا للمؤامرة بالتجريد من الرتب العسكرية والامتيازات والنياشين وحرمانه العودة إلى مصر، وإذا عاد يقضى عليه بالنفي على النحو السابق.
رفع الحكم إلى الخديو للتصديق عليه ... فرآه بالغا منتهى القسوة، فامتنع عن إقراره، ووقع من أجل ذلك خلاف كبير بينه وبين الوزارة، إذ أصر على تعديل الحكم، وتمسكت الوزارة بإقراره ، وانتهى الأمر بأن أصدر الخديو «إرادة سنية» في 9 مايو سنة 1882 بتعديل الحكم إلى النفي من القطر المصري والترخيص للمحكوم عليه بالتوجه أنى شاءوا خارج القطر مع عدم حرمانهم رتبهم ونياشينهم، وقد وقع الخديو هذه الإرادة بحضور السير إدوار مالت والمسيو سنكفكس قنصلي بريطانيا وفرنسا.
على أن هذا التعديل لم يحسم الخلاف بين الخديو والوزراء، فقد ذهب البارودي إلى الخديو عقب توقيعه أمر التعديل، ولامه في لهجة شديدة لنزوله على إرادة قناصل الدول، وإهماله رأي الوزراء، وطلب إليه إضافة عقوبة التجريد من الرتب العسكرية إلى أمر التعديل ... فاجتمع القناصل ثانية لدى الخديو عقب هذه المقابلة، وانتهى الاجتماع بإصرار الخديو على «الإرادة السنية» التي أصدرها ...
فهاج ذلك سخط الوزراء، واجتمعوا يوم 10 مايو اجتماعا طويلا دام ثماني ساعات انتهوا فيه إلى وجوب انعقاد مجلس النواب للنظر في هذا الخلاف - وكانت قد فضت دورته - وبدا على اجتماعهم روح المعارضة الشديدة للخديو، فأنكروا عليه حق العفو ... وصرح الخديوي من ناحيته أنه لا يطيق استمرار هذه الحال؛ لأنه يراد المساس بامتيازاته. ولما طال اجتماع الوزراء قلق قناصل الدول وأوجسوا خيفة من تفاقم الخلاف، وجاءوا أثناء الاجتماع، وسألوا عما إذا كان ثمة خطر يتهدد حياة الرعايا الأوروبيين، فأجيبوا بألا شيء يتهددهم البتة، وأبلغهم وزير الخارجية «مصطفى باشا فهمي» أنه بإزاء استحالة الاتفاق مع الخديو ... ولأن رئيس الوزارة لا يمكن أن يستقيل في هذا الظرف، فإن المجلس قرر دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد؛ لينظر في الخلاف القائم بين الخديو والوزراء.
وكان لهذا القرار خطورته؛ لأن عرض الخلاف بين الخديو والوزارة على مجلس النواب مع إصرار الخديو على موقفه، معناه التهديد بخلعه ... وهذا ما كان عرابي وصحبه يذكرونه في أحاديثهم.
ولما كانت الدعوة إلى اجتماع مجلس النواب يجب أن تصدر عن الخديو ... فقد أوفد الوزراء حسين باشا الدره مللي وكيل الداخلية إلى الخديو لإبلاغه القرار، ولكن الخديو رفض عقد المجلس، فدعت الوزارة النواب إلى الاجتماع بواسطة المديرين، وهذا لا يعد اجتماعا قانونيا طبقا لأحكام الدستور «اللائحة الأساسية».
ولقد لبى أكثر النواب الدعوة، فجاءوا القاهرة ... وتعددت اجتماعاتهم الخاصة، وكان الوزراء لا يفتئون يعقدون مجلسهم لتقرير خطتهم تجاه الخلاف المتفاقم بينهم وبين الخديو.
وفي ظهر يوم 12 مايو سنة 1882 اجتمعوا في دار البارودي ومعهم بعض رؤساء الجيش ... ثم جاءهم محمد سلطان باشا رئيس مجلس النواب، يصحبه عبد السلام بك المويلحي أحد النواب البارزين، ثم جاءهم بعض النواب، وتحدثوا في أمر الخلاف وتعددت الاجتماعات من النواب والوزراء، وكان فريق من النواب يميل إلى حسم الخلاف بالحسنى، إذ رأوا أن استمرار الشقاق يهدد البلاد بأعظم الأخطار ...
Bog aan la aqoon