Hogaamiyaha Kacaanka Axmed Caraabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Noocyada
وأعقب هذا التدخل تدخل آخر، إذ طلب قنصلا الدولتين من شريف باشا بإيعاز من الرقيبين الأوروبيين ألا يخول مجلس النواب حق تقرير الميزانية، وقدما إليه في 26 يناير سنة 1882 مذكرة بهذا المعنى أثناء اشتغال «اللجنة الدستورية» بالنظر في اللائحة الأساسية ...
كان هذا التدخل تحديا بالغا لكرامة البلاد وحقوقها، وتدبيرا مبيتا بين الدولتين للتدخل المسلح وخلق الذرائع للاحتلال ... إذ ما شأن إنجلترا وفرنسا بنظام مجلس النواب المصري؟ وأي قانون يخولهما حق التدخل في وضع الدستور، والمطالبة بحرمان المجلس حق تقرير الميزانية؟!
ولا شك أن هذا عدوان منكر لا سند له من الحق ولا من العهود المبرمة بين مصر والدولتين، لا سيما أن مشروع اللائحة الأساسية كان ينص في صراحة لا إبهام فيها على احترام اتفاقات مصر الخاصة بتسوية الديون، وفي هذا النص الكفاية لاطمئنان الدول ورعاياها على حقوقهم ... أما التذرع بهذه الديون لحرمان مجلس النواب حق تقرير الميزانية، وهو أهم خصائص البرلمان، فهو الظلم والاعتساف والتحكم الذي لا مسوغ له، وهو الطمع الاستعماري الذي لا يحترم حقا ولا يرعى عهدا.
كان الموقف على جانب كبير من الخطر ... فهناك أولا حقوق الأمة وكرامتها، ولا تقبل أمة تحترم نفسها أن تنزل على إرادة دولتين غاصبتين تريدان حرمان مجلس النواب حقا من أقدس حقوقه، وهو تقرير الميزانية ... وهناك من جهة أخرى الخطر الماثل أمام رجل الدولة، إذ يرى البلاد هدفا للتدخل المسلح من جانب الدولتين المتحفزتين للاحتلال. •••
وقد ارتأى شريف باشا درءا للأزمة، أن لا يبت مجلس النواب بقرار نهائي في المادة المتعلقة بالميزانية، وأن يرجئها إلى حين حتى تنجلي الغمة، وبذلك يتفادى التدخل المسلح الذي لم يكن في استطاعة مصر أن تصده لما كانت عليه وقتئذ من الضعف والارتباك، والتأجيل في ذاته لم يكن مضيعا لحقوق الأمة في الدستور، بل كثيرا ما يكون التأجيل من الوسائل السياسية التي يعمد إليها لاتقاء الأزمات ... على أن وضع الدستور قد يستغرق وقتا يطول أو يقصر على حسب الظروف والملابسات. ولم يكن النص الخاص بالميزانية في ذاته مستعجلا؛ لأن ميزانية سنة 1882 كان قد صدر المرسوم باعتمادها في 22 ديسمبر سنة 1881؛ أي قبل انعقاد مجلس النواب ... فالبحث في أمر الميزانية لا تبدو أهميته العملية إلا في ختام سنة 1882 حيث توضع ميزانية سنة 1883، فإرجاء البت في هذا النص لم يكن له من الخطر ما يدعو إلى التصادم بين المجلس والوزارة.
وقد نصح المستر «بلنت» عرابي وصحبه بالاعتدال في موقفهم من هذه الأزمة، وبأن لا يقطعوا برأي في نص الميزانية قبل أن تفاوض الوزارة حكومتي فرنسا وإنجلترا، وأيده الشيخ محمد عبده في نصيحته، وروي عنه أنه قال في هذا الصدد: «لقد لبثنا عدة قرون في انتظار حريتنا، فلا يشق علينا أن ننتظر الآن بضعة أشهر.» ولكن نصيحة الاثنين عبثا.
وقد عرض شريف باشا على مجلس النواب فكرة التأجيل ... ولكن عرابي ورؤساء الضباط والأعضاء البارزين من النواب لم يقبلوا هذا الحل، وارتئوا رأيا آخر يناقضه وهو تقرير مادة الميزانية في الحال، ويلوح لنا أن ثمة عاملا آخر غير الاقتناع كان له دخل في الأخذ بهذا الرأي، وهو انصراف العرابيين عن شريف، ورغبتهم في إقصائه عن الحكم وإسناد رياسة الوزارة إلى رجل منهم، إذ لم يكن يخفى أن شريف باشا، وإن كان قد ألف وزارته على قاعدة إجابة مطالب العرابيين لكنه كان يشعر حيالهم بشيء من الاستقلال والكرامة.
وهذا ما جعل العرابيين يرغبون في التخلص منه، ويستبدلون به رجلا من خاصتهم ... وقد ساعد على ظهور هذه الرغبة طموح محمود باشا سامي البارودي إلى رياسة الوزارة ... فقد كان البارودي كثير الطموح إلى السلطة والجاه، ومن هنا تعقدت الأزمة، وامتنع الأخذ برأي شريف باشا؛ لأن البارودي وهو وزير الحربية في وزارة شريف باشا، قد زين لعرابي وصحبه أن يتشبثوا برأيهم ويرفضوا التأجيل، ويقرروا مادة الميزانية فورا، وقد رتب على هذه الخطة وصوله إلى الرياسة؛ لأنه كان مفهوما أن رفض النواب رأي شريف باشا يؤدي بداهة إلى استقالته، فيدعى هو إلى تأليف الوزارة الجديدة. (7) استقالة شريف باشا
وكان ما رتبه البارودي ... فقد اتفقت كثرة النواب على رفض التأجيل، وعلى إقرار مادة الميزانية كما هي، ورأى شريف باشا من حديثه مع أعضاء اللجنة الدستورية أنهم راغبون في إسقاط وزارته، فلم ير بدا من تقديم استقالته في 2 فبراير سنة 1882.
وقد كان يجدر بالنواب أن يتريثوا في الأمر ... وأن لا ينقلبوا بهذا السرعة على من كان موضع آمالهم حتى الأمس، ومما يستوقف النظر ويدعو إلى الأسف، أن يكون أول عمل هام لمجلس النواب هو التخلص من الرجل الذي أنشأه وناضل من أجله، ووضع نظامه الأساسي ... ولكنها الأهواء والمطامع كان لها الأثر البالغ في ركوب هذا المسلك.
Bog aan la aqoon