ولما أنشئت سكة الحديد الواصلة إلى الرمل
2
مرت في وسط القشلاق فقسمته نصفين، والآن به عساكر محافظة الضبطية. وبنى الاسبتالية الملكية في حوش مقابر اليهود بجوار المسلة المعروفة بمسلة كليوبطرة ووفاها جميع لوازمها من مفروشات وملبوسات وأدوية وآلات، وجعل بها أجزخانة وبيتا لتركيب الأدوية ونوع محلاتها بحسب أنواع الأمراض والعلل، ورتب لها حكماء وجراحجية فجاءت من أحسن الاسبتاليات وحصل بها النفع العام وصار يدخلها الأهالي والغرباء للتداوي بدون مقابل، واستمرت على ذلك حتى هدمتها سكة حديد الرمل أيضا. والآن عمل من فيض المكارم الخديوية اسبتالية عوضا عنها في محل قريب منها. ولأجل الوقوف على ما اشتملت عليه الأراضي المجاورة لثغر الإسكندرية أمر باستكشاف ما حوله؛ حيث كان لذلك دخل في المحافظة فكشف سواحل البحر من الإسكندرية إلى العريش - إلى أن قال - واهتم أيضا بكشف الصهاريج التي بداخل الإسكندرية وخارجها وما تشتمل عليه، وقدر ما تسع من الماء والمجاري التي توصل الماء إليها، وصار التنبيه على أصحاب الأملاك ألا يتلفوا شيئا من ذلك ولا يتصرفوا فيه، وجعل لذلك قوانين معمولا بها إلى الآن، وكانت قد بطلت مدة فنشأ عن بطلانها تصرف أصحاب الأملاك في كثير منها بالنقض والهدم. وحيث كان الماء من أهم لوازم الميناء ولا يستغنى عنه زمنا ما، لا سيما لو فرض حصول محاصرة تقطع ماء المحمودية عن الثغر، صدرت أوامره السنية بعدم التعرض للصهاريج بوجه ما، والرجوع إلى تلك القوانين، فامتنع الناس من هدمها ولا يخفى أهمية ذلك؛ فإن تلك الصهاريج مبنية من قرون عديدة، ولا شك أنها صرفت فيها أموال جسيمة، وهي من الآثار القديمة التي نوه التاريخ بقدرها وأهميتها بالنسبة لهذه المدينة لبعدها عن النيل. والماء الواصل إليها من الخليج يمر في وسط بحائر ملحة ومنحطة، وفي أي وقت يمكن صرفه إلى البراري أو البحر وحرمان المدينة منه، فيقع أهلها في الضرر وتفارقها العمارية مع أنها مفتاح القطر؛ فلم يكن أهم مما يوصل إلى عماريتها وراحة أهلها، ومن ذلك كشف المسالك الموصلة إليها، ومعرفة ما اشتملت عليه تلك الطرق مما هو من لوازم الحياة كالمياه العذبة والمراعي وحطب الوقود وجلب الميرة ومنع الأعداء، فكل ذلك معرفته مهمة في وقت السلم لينتفع به عند حصول ضده، فهذا هو ملحظه - رحمه الله - وملحظ المؤسس الأصلي وملحظ سر عسكر (إبراهيم باشا) جزاهم الله عن الوطن خيرا. ومن هذا الاستكشاف ظهرت ثمرات جمة، منها عمل سكة عسكرية من طابية القباري إلى باب العرب؛ لتسهيل مرور العساكر والواردين على المدينة من جهة الغرب ووادي سيوة، وكانوا قبل ذلك يقاسون مشقات زائدة لعدم انتظام المسالك - إلى أن قال - وقد رسم ذلك كله في خرط الاستحكامات؛ حتى لا تتطرق إليه شبهة فيما بعد - إلى أن قال - ولما كثرت الإفرنج والأغراب في مدينة الإسكندرية واستوطنوها واستحوذوا على كثير من الفضاء الذي كان بداخل المدينة وضواحيها رغبوا في سكنى الرمل، وهي قرية شرقي المدينة بينها وبين أبي قير، وأكثروا من شراء الأملاك في هذا المحل لقلة ثمن الأرض هناك إذ ذاك، فتيقظت الحكومة لذلك لما لتلك الجهات من الأهمية لوقوعها في المناطق العسكرية الممنوع البناء فيها، فأمرت بضبط ما بيع من هذه الأراضي وبيان ما بني وما لم يبن منها، ومنعت التصرف في أراضي الرمل وغيرها إلا بإذن من الحكومة، وجعلت لذلك قوانين تتبع في هذه الأمور. وبسبب قرب الرمل من المدينة واتساعه وطيب هوائه رغب المرحوم في اتخاذه معسكرا تجتمع فيه العساكر في المناورات وغيرها، وأمر بردم الملاحة المجاورة لقرية الرمل (ملاحة سيدي جابر - أرض سموحة الآن) لمنع العفونة، وعمل لذلك رسوم وميزانيات، ولكن بموته لم يتم ذلك. ا.ه. (7) الحصون في حكم سعيد باشا
الظاهر أن تحصين مدينة الإسكندرية في حكم سعيد باشا بقي على ما كان عليه في حكم سلفه عباس الأول. (8) الحصون في حكم الخديو إسماعيل
عزز الخديو إسماعيل هذه المدينة بمدافع أحدث طرازا من التي كانت بها حتى يجاري بذلك روح العصر الذي كان فيه؛ لأن مدافع عصر محمد علي لم يكن بينها النوع المعروف بالششخانة الذي تحقق تفوقه على النوع القديم، فكان من اللازم التفكير في تسليح هذه الحصون بهذا النوع ما دام القصد من هذا التسليح ضمان سلامتها من غارة أجنبية.
لذلك ابتاع الخديو إسماعيل من إنجلترا فيما بين سنة 1869 وسنة 1873م 200 مدفع من طراز أرمسترونج عيار 7 بوصات، ووزن 7 أطنان وعيار 8 بوصات ووزن 9 أطنان وعيار 9 بوصات ووزن 12 طنا، وعيار 10 بوصات ووزن 18 طنا، وهذه المدافع تعمر من الأمام. وابتاع أيضا أربعة مدافع عيار 40 رطلا من الطراز عينه، ولكنها تعمر من الخلف، ونصب من هذه المدافع في حصون مدينة الإسكندرية الأربعة المدافع الأخيرة و46 مدفعا من المدافع الأولى، والباقي من المائتي مدفع نصبه في بقية حصون سواحل مصر حتى بورسعيد.
ووقت تركيب هذه المدافع الحديثة نزع بعض المدافع القديمة، وكانت التي نزعت بالضرورة غير صالحة للاستعمال، ولكن قواعدها استخدمت مداور للمدافع الحديثة.
موازنة بين هذه الحصون والأسطول البريطاني
(1) الحصون
إن ساحل مدينة الإسكندرية سهل منبسط ليس به هضاب ولا جبال اللهم إلا بعض التلول المصنوعة، وهو لهذا السبب الطبيعي لا يصلح لإقامة حصون عليه تدفع عن هذه المدينة شر القنابل الحديثة، سواء التي اخترعت في أيامنا هذه والتي كانت في 1882م وقت أن ضربها الأسطول الإنكليزي الذي كان مزودا بمدافع أقوى من مدافع هذه الحصون.
Bog aan la aqoon