Your Way to Answered Prayer
طريقك إلى الدعاء المستجاب
Daabacaha
دار ابن خزيمة
Noocyada
حقيقة الدعاء وأقسامه
أخي المسلم: إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة لا يطيقها الإحصاء، وإن آلاءه تعالى نازلة على العباد في صباحهم ومسائهم.
وإنه لمن النعم الجليلة أن يدعو الله تعالى عباده إلى سؤاله وعرض حاجاتهم، وأن يعدهم ﵎ الإجابة وتحقيق المطلوب .. ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠].
وما أروع ذلك المثل الذي ضربه مورق العجلي ﵀ وهو يصف حال المؤمن في الدعاء، فقال: (ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجلا في البحر على خشبة فهو يدعو: يا رب يا رب لعل الله ﷿ أن ينجيه!
ما هو الدعاء؟
قالوا عن الدعاء: إنه الابتهال إلى الله بالسؤال، والرغبة فيما عنده من الخير والتضرع إليه في تحقيق المطلوب، والنجاة من المرهوب.
وقال الإمام ابن القيم ﵀: هو طلب ما ينفع الداعي وطالب كشف ما يضره أو دفعه:
أقسامه:
ينقسم الدعاء إلى قسمين:
١ - دعاء عبادة
٢ - دعاء مسألة.
1 / 5
دعاء العبادة: هو الشامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة.
دعاء المسألة: أن يطلب الداعي ما ينفعه وما يكشف ضره.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀: «كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة».
وهذه قاعدة نافعة، فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء، والدعوة دعاء المسألة فقط ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء. وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه، فإن الآيات صريحة في شموله لدعاء المسألة ودعاء العبادة.
وقد أشار الإمام ابن القيم أن دعاء المسألة ودعاء العبادة متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة.
أخي المسلم: دعاء الله تعالى شفاء للقلوب وسعادة في الدارين. فلا غزو أن تداوي به العارفون .. ولزم محجته المتقون.
أما رأيت أن الله تعالى ذم أقوامًا في كتابه؛ بإعراضهم عن دعائه تعالى، والتضرع إليه ووصفهم بقسوة القلوب، فقال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٤٣].
قال عبد الله الأنطاكي ﵀: دواء القلب خمسة أشياء: مجالسة الصالحين، وقراءة القرآن، وإخلاء البطن من الحرام، وقيام
1 / 6
الليل، والتضرع عند الصبح.
وقال ابن القيم ﵀: «والدعاء من أنفع الأدوية؛ وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه، أو يخففه وهو سلاح المؤمن».
أخي المسلم: وإن أعظم ما في الدعاء أنك تناجي فيه ملك الملوك؟ من ليس كمثله شيء، من بيده ملكوت كل شيء. فلا أحد يحجبك عن مناجاته. ولا واسطة، ولا شيء يحجب صوتك .. فلتجعل دعاء الله تعالى طريقك إلى رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء.
من فضائل الدعاء
أخي المسلم: لو لم يكن للدعاء من الفضائل إلا قربك من مولاك تعالى لكفى؛ فكيف وللدعاء من الفضائل والبركات الشيء الكثير؟
وأول هذه الخيرات ما يجد الداعي من صلاح القلب:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: «وإذا دعا العبد ربه بإعطاء المطلوب ودفع المرهوب؛ جعل له من الإيمان بالله ومحبته ومعرفته وتوحيده ورجائه وحياة قلبه واستنارته بنور الإيمان ما قد يكون أنفع له من ذلك المطلوب إن كان عرضًا من الدنيا».
الدعاء امتثال لأمر الله:
فالداعي ممتثل لأمر الله تعالى؛ إذ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ
1 / 7
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠].
الدعاء عبادة:
في الدعاء تحقيق لعبادة الله تعالى والتي هي الغاية العظمى.
قال رسول الله ﷺ: «الدعاء هو العبادة» (١).
الدعاء محبوب إلى الله تعالى:
الداعي متقرب إلى الله تعالى بشيء يحبه، وكريم لديه.
قال ﷺ: «ليس شيء أكرم على الله ﷿ من الدعاء» (٢).
قال الزبيدي ﵀ «وإنما صار الدعاء كريمًا على الله: لدلالته على قدرة الله وعجز الداعي».
الدعاء سبب لانشراح الصدر:
وفي الدعاء دواء وبلسم شافي لأدواء الصدور من الهموم والغموم والأحزان وضيق الصدر؛ وفي الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ بعض الأدعية المعينة على انشراح الصدور وزوال أحزانها.
ثمار الدعاء مضمونة:
من أكثر من دعاء الله تعالى نال ثماره لا محالة؛ إما في الدنيا وإما في الآخرة.
_________
(١) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
(٢) رواه الترمذي وأحمد/ صحيح الجامع: (٥٣٩٢).
1 / 8
قال النبي ﷺ: «ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها» قال: إذا نكثر! قال: «الله أكبر» (١).
الدعاء يدفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله:
وهذه فضيلة عظيمة من فضائل الدعاء غفل عنها الكثيرون.
قال ﷺ «من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعطى أحب إليه من أن يُسأل العافية؛ إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل؛ فعليكم عباد الله بالدعاء» (٢).
الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء:
قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٠]. فكان عندها النصر والظفر: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ [البقرة: ٢٥١].
الدعاء مفزع المظلومين:
الدعاء سلاح المظلومين .. ومفزع المكسورين. وفي وصية النبي ﷺ لمعاذ بن جبل ﵁ لما بعثه إلى اليمن: «واتق دعوة
_________
(١) رواه البخاري في الأدب المفرد/ صحيح الأدب (٥٤٧).
(٢) رواه الترمذي/ صحيح الجامع (٣٤٠٩).
1 / 9
المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (١).
شروط الدعاء
أخي المسلم: للدعاء الصحيح شروط لا بد من توفرها فيه؛ إذا أردت لدعائك أن يصعد إلى السماء ..
أولًا: الله تعالى وحده هو القادر على إجابة الدعاء:
هذا شرط أساسي من شروط الدعاء، أن يكون الداعي عالمًا بأن الله تعالى وحده هو القادر على إجابة دعائه، وإذا أيقن الداعي بذلك توجه إلى الله بقلب صادق. ضارعًا .. متذللًا.
قال الله تعالى: ﴿أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢].
ثانيًا: إفراد الله تعالى بالدعاء:
وهذا هو أساس الدعاء وهو: أن لا يدعو إلا الله تعالى، وإشراك غير الله معه في الدعاء شرك بالله تعالى.
وها هو النبي ﷺ يعلم ابن عباس ﵄ هذه القاعدة المهمة. إفراد الله تعالى بالسؤال وفي ذلك تعليم للأمة ولفت لها إلى هذه القاعدة ..
قال ﷺ: في وصيته لابن عباس: «يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأل فاسأل الله،
_________
(١) رواه البخاري ومسلم.
1 / 10
وإذا استعنت فاستعن بالله» (١).
ثالثًا: التوسل إلى الله تعالى بالمشروع:
التوسل إلى الله تعالى بالتوسل المشروع من لوازم الدعاء الصحيح، ونجد البعض يخطئون في توسلهم إلى الله تعالى؛ إما بطرق مبتدعة أو شركية.
وأنواع التوسلات المشروعة ثلاث:
(١) التوسل باسم من أسماء الله تعالى، أو بصفة من صفاته.
(٢) التوسل بالأعمال الصالحة.
(٣) التوسل بدعاء الرجل الصالح الحي.
وكل هذه التوسلات لها أدلتها من الكتاب والسنة وفعل السلف الصالح ﵃.
رابعًا: حسن الظن بالله تعالى:
أن يدعو الله تعالى وهو يحسن الظن بربه تعالى؛ فلا يعدون دعاء شاك مرتاب، فالله تعالى مع عبده إذا كان ممن يحسنون الظن به ﵎
وفي الحديث القدسي، يقول الله ﷿: «أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني» (٢).
_________
(١) رواه الترمذي وأحمد/ صحيح الترمذي (٢٥١٦).
(٢) رواه البخاري ومسلم.
1 / 11
لذا أرشدنا النبي ﷺ أن ندعو ونحن نحسن الظن بالله تعالى ..
قال رسول الله ﷺ: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» (١).
خامسًا: عدم الاستعجال:
على الداعي أن لا يتعجل الإجابة .. قال رسول الله ﷺ: «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يُستجب لي» (٢).
سادسًا: إطابة المأكل:
وهو من الشروط المهمة للدعاء المستجاب؛ وقد غفل عنه الناس!
وما علموا أن الكثيرين يُرد دعاؤهم بسبب عدم إطابة المطعم ..
قال الله تعالى ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧].
وفي عبارات جامعة نفيسة لخص لنا سهل بن عبد الله ﵀ شروط الدعاء الذي يرجو به صاحبه تحقق المطلوب والظفر بقضاء الحاجات.
فقال ﵀: «شروط الدعاء سبعة: أولها: التضرع والخوف والرجاء، والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال».
أخي المسلم: إتيانك بشروط الدعاء، وحرصك عليها يضمن
_________
(١) رواه الترمذي والحاكم صحيح الجامع (٢٤٥٩.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
1 / 12
لك صحة الدعاء، وإذا صح دعاؤك كان أرجى للقبول، فإذا أضفت إليه آداب الدعاء، وسَلَم من موانع الإجابة؛ اخترق دعاؤك الحجب وظفرت بتحقق المراد ونعمت مع أهل الإجابة.
فاحرص على معرفة شروط الدعاء المستجاب، واجعل من همك العمل بها بعد علمها.
آداب الدعاء
أخي المسلم: آداب الدعاء مفتح عجيب للدعاء المستجاب .. وإذا لم يأت الداعي بآداب الدعاء يصبح دعاؤه لا معنى له!
ولهذه الآداب أثر قوي في استجابة الدعاء .. ومن لم يأت بها في دعائه فمثله كمثل رجل دخل على ملك من ملوك الدنيا يطلب بره وإحسانه، فلم يبتدئ الملك بالسلام، ولم يقدم بين يدي حديثه كلمات لطيفة؛ بل ابتدأه بحاجته مباشرة! فتأمل فيمن هي هذه حاله أتراه يظفر بحاجاته ومطلوبه؟ !
إذا فهمت هذا فلتعلم أن الله تعالى أولى وأحق من تأدب له العباد، ووقفا بين يديه بقلوب الذلة والخضوع، قبل قلوب المسألة والدعاء.
ومن الآداب التي ينبغي أن تراعيها وأنت تقف بين يدي مولاك داعيًا متضرعًا.
حمد الله تعالى والصلاة والسلام على النبي ﷺ -:
وهذا أول ما يبدأ به الداعي: أن يحمد الله تعالى ويثني عليه بما
1 / 13
هو أهله، ثم يصلي ويسلم على النبي ﷺ ثم يذكر مسألته.
عن فضالة بن عبيد ﵁ قال: بينا رسول الله ﷺ قاعد إذ دخل رجل فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني.
فقال رسول الله ﷺ: «عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت، فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه».
قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله، وصلى على النبي ﷺ.
فقال له النبي ﷺ: «أيها المصلي ادع تجب» (١).
الوضوء:
وهو من الآداب الحسنة؛ حتى تُقبل على الله تعالى طاهرًا .. متهيئًا لمناجاته ودعائه .. وفي حديث أبي موسى الأشعري ﵁: لما استغفر النبي ﷺ لعبيد أبي عامر، دعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه، فقال: «اللهم اغفر لعبيد أبي عامر» (٢).
استقبال القبلة:
وهي الرمز الصادق للتوجه الصادق ولما دعا النبي ﷺ على كفار قريش استقبل القبلة (٣).
رفع الأيدي أثناء الدعاء:
_________
(١) رواه أبو داود الترمذي/ صحيح الترمذي (٣٤٧٦).
(٢) رواه البخاري ومسلم والحديث طويل.
(٣) الحديث رواه البخاري ومسلم.
1 / 14
وهو شعار التذلل والخضوع والمسكنة، وكلما ازدادت الحاجة ازداد رفع الأيدي والتضرع، لذا كان رفع الأيدي في الاستسقاء أكثر لعظم الحاجة للغيث.
قال النبي ﷺ: «إن الله حي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين» (١).
تقديم عمل صالح قبل الدعاء:
وإذا قدم الداعي بين يدي دعائه عملًا صالحًا؛ كصلاة أو صيام أو صدقة، كان ذلك من الآداب الحسنة التي يُرجى لصاحبها الاستجابة؛ لذلك كان الدعاء بعد الصلوات المفروضة أرجى للإجابة لأنه وقع بعد عمل صالح ..
اختيار أحسن الألفاظ وأجمعها:
ويحسن بالداعي أن يكثر من الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ وللداعي أن يكثر من الدعاء بما شاء، ولكن في بعض المواطن إذا اقتصر على المأثور فذلك أفضل.
خفض الصوت في الدعاء:
والداعي مناج لربه ﵎، وهو تعالى يعلم السر وأخفى، كما أن خفض الصوت يدل على التذلل والخضوع وحسن الأدب ..
وقد مدح الله تعالى نبيه زكريا ﵊ بخفض
_________
(١) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه / صحيح أبي داود (١٤٨٨).
1 / 15
الصوت في الدعاء، فقال تعالى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم ٢، ٣].
اختيار الاسم الذي يليق بجلاله ﵎: فيدعو الله تعالى بما جاء في القرآن والسنة من أسمائه الحسنى ﷿، ولا يتجاوز ذلك إلى الأسماء التي لم ترد في القرآن والسنة أو الأسماء التي ابتدعها المبتدعة وأهل الأهواء.
قال الله تعالى: ﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠].
قال الإمام القرطبي: سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى لأنها حسنة في الأسماع والقلوب، فإنها تدل على توحيده وكرمه، وجوده ورحمته وإفضاله.
أخي المسلم: تلك شذرات غالية في آداب الدعاء فاجعلها خير غلاف لدعائك.
أسباب عدم إجابة الدعاء
أخي المسلم: المسلم متعبد بالدعاء فهو يدعو الله تعالى دومًا سواء استجيب له أم لم يستجب له، والمؤمن الصادق لا تمنعه عدم الإجابة من الدعاء، فهو دائمًا واقفا بباب ربه ﵎، لا يمل من طرق الباب.
قال أبو الدرداء: ﵁: «ارفعوا هذه الأيدي بالدعاء قبل أن تُغل بالأغلال!».
1 / 16
وقال سفيان بن عيينة ﵀: «لا يمنعن أحدًا الدعاء ما يعلم في نفسه - يعني من التقصير فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال: «رب فأنظرني إلى يوم يبعثون».ولكن الدعاء عبادة كغيره من العبادات له شروط وأركان كما مر معك، وله موانع إذا وجدت لم يُقبل.
وقد سأل الناس قديمًا وحديثًا: لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟ !
ولكن الكثيرين من هؤلاء لم يحاسبوا أنفسهم، ولم يحرصوا على معرفة عدم الاستجابة، ولو حاسبوا أنفسهم حساب المؤمنين الصادقين؛ لوقفوا على أسباب عدم الإجابة؛ ولكن النفوس دائمًا مولعة بحب العاجل، تريد الذي لها، ولا تريد أن تعرف الذي عليها! وهذا هو الذي أورثها الأدواء.
وحري بطالب المعالي والدرجات السامية أن يسعى إلى تهذيب نفسه وتطهيرها عن الأدران.
أخي المسلم: أسباب عدم إجابة الدعاء متنوعة؛ فإذا دعوت الله تعالى ينبغي أن تضع نصب عينيك الآتي:
أولًا: الله تعالى مالك الملك:
فإن الله تعالى بيده مقاليد كل شيء، يفعل في ملكه ما يشاء لا مكره له على شيء: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣].
فينبغي على الداعي أن يعلم ذلك ولا يتعجل الإجابة في كل
1 / 17
دعاء، وإذا اعتقد العبد هذا؛ كانت نفسه طيبة عند تأخر الإجابة.
ثانيًا: قد يكون في التأخير منفعة:
وهذا سر من أسرار الدعاء يخفى على الكثيرين؛ فإن العبد لضعفه يرى مصلحته في تحقق مراده، ولا يلتفت إلى الحكم الإلهية والتقديرات الربانية.
وأحيانًا يكون من مصلحة الداعي تأخر الإجابة أو عدم الإجابة ..
قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦].
وجاء أن بعض السلف كان يسأل الله تعالى الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوتَ أُسرتَ وإن أُسرت تنصرت!
ثالثًا: المعاصي:
وهي الداء الأكبر الذي حجب دعاء العباد عن الصعود، وأكثر أولئك الذين يشكون من عدم إجابة الدعاء آفتهم المعاصي!
قال عمر بن الخطاب ﵁: «بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح».
وقال بعض السلف: «لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي».
فقد عمت المعاصي وتطاير شررها في كل مكان، والعصاة
1 / 18
غافلون .. ولكن إذا نزلت المصيبة رأيتهم يجأرون إلى الله تعالى! ومثل هؤلاء كمثل رجل حارب ملكًا من ملوك الدنيا ونابذه العداوة زمنًا طويلًا ثم جاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفه!
فما ظنك بهذا الرجل؟ ! هل سيدرك مطلوبه؟ ! كلا! لن يدرك مطلوبه إلا إذا صفا الود بينه وبين ذلك الملك.
فهذا هو مثل العاصي الذي يبيت ويصبح مبارزًا لربه تعالى بالمعصية ثم إذا وقع في شدة يرجو من الله أن يجيب دعاءه!
قيل لإبراهيم بن أدهم ﵀: ما بالنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟
قال: «لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه! وعرفتم الرسول ﷺ فلم تتبعوا سنته! وعرفتم القرآن فلم تعملوا به! وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها! وعرفتم الجنة فلم تطلبوها! وعرفتم النار فلم تهربوا منها! وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه! وعرفتم الموت فلم تستعدوا له! ودفنتم الأموات فلم تعتبروا! وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس!».
وجاء في الأثر: أنه أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى ﵇، فخرج ببني إسرائيل يستقي بهم، فلم يُسقوا حتى خرج ثلاث مرات ولم يُسقوا فأوحى الله ﷿ إلى موسى ﵊: «إني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيك نمام» فقال موسى ﵇: «يا رب ومن هو حتى نخرجه؟» فأوحى الله ﷿ إليه: «يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نمامًا؟» فقال
1 / 19
موسى ﵇ لبني إسرائيل: «توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة» فتابوا، فأرسل الله تعالى عليهم الغيث.
أخي المسلم: فاحذر عاقبة المعاصي .. فإنك لن تستعين على الدعاء المستجاب بشيء أقوى من ترك المعاصي! فترك المعاصي مفتاح لباب الدعاء المستجاب.
أوقات وأماكن إجابة الدعاء
أخي المسلم: لتفوز بإجابة الدعاء لا بد أن تعلم أن هنالك أوقاتًا وأمكنة يُستجاب فيها الدعاء، وهي أوقات وأمكنة فاضلة .. ومباركة.
ليلة القدر:
وهي الليلة المباركة .. ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾ [الدخان: ٣]. وكان النبي ﷺ يحصر على قيامها، ويحيى لأجلها ليالي العشر الأواخر من رمضان ..
دعاء يوم عرفة:
وهو يوم المغفرة، ويوم العتق من النار لمن فاز بالوقوف بتلك الأماكن الطاهرة. قال النبي ﷺ: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة» (١).
الساعة التي في يوم الجمعة:
_________
(١) رواه الترمذي صحيح الترمذي (٣٥٨٥).
1 / 20
وهي ساعة أخبرنا النبي ﷺ: أن الدعاء فيها مستجاب قال رسول الله ﷺ: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه» وقال بيده يقللها ويزهدها (١).
وقد اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة، والذي رجحه الحافظ ابن حجر ﵀ في "فتح الباري" فقد رجح قولين: الأول: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة. والثاني: بعد العصر ولكن من دعا الله تعالى في هذا اليوم كله كان على أمل كبير في إدراك هذه الساعة.
الدعاء دبر الصلوات:
وهو وقت مبارك فاحرص على اغتنامه وسئل النبي ﷺ: يا رسول الله أي الدعاء اسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات» (٢) قال مجاهد ﵀: إن الصلاة جُعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات.
الدعاء في جوف الليل وآخره:
وهو الوقت الذي تنافس الصالحون في إحياء ساعاته ويخلو فيه العبد بمناجاة ربه ﵎.
وأعظم ما في تلك اللحظات ما أخبرنا عنه النبي ﷺ عندما قال: «ينزل ربنا ﵎ كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى
_________
(١) رواه البخاري ومسلم.
(٢) رواه الترمذي / صحيح الترمذي (٣٤٩٩).
1 / 21
ثلث الليل الآخر يقولك من يدعوني فأستجيب له، مَنْ يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» (١).
الدعاء عند السجود:
هي لحظات شريفة؛ يكون العبد فيها قريبًا من ربه ﵎ .. يناجيه مناجاة تضرع وتذلل.
قال رسول الله ﷺ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء» (٢).
الدعاء بعد الوضوء:
وهو أيضًا وقت فاضل؛ إذ أن العبد فرغ من طاعة لله تعالى، وتطهر من الحدثين؛ فكان الدعاء بعد ذلك أرجى للقبول والاستجابة.
قال رسول الله ﷺ: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له ثمانيةُ أبواب الجنة يدخل من أيها شاء» (٣).
دعاء الصائم والمسافر:
الصائم إذا أفطر له دعوة لا تُرد وكذلك المسافر .. قال رسول
_________
(١) رواه البخاري ومسلم.
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
1 / 22
الله ﷺ: «ثلاث دعوات لا تُرد دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر» (١).
الدعاء بين الأذان والإقامة:
وهو أيضًا من الأوقات الجليلة قال رسول الله ﷺ: «الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة» (٢).
الدعاء عند النداء وعند نزول المطر:
قال رسول الله ﷺ: «ثنتان ما تُرادان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر» (٣).
عند الاستيقاظ من النوم والدعاء بهذا:
قال النبي ﷺ: «من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قُبلت صلاته» (٤).
الدعاء عند المشاعر الطاهرة:
أخي المسلم: إذا قدر الله لك النزول بالبلد الأمين، حيث البيت
_________
(١) رواه البيهقي/ سلسلة الصحيحة: ١٧٩٧.
(٢) رواه أبو داود والترمذي/ صحيح أبي داود (٥٢١).
(٣) رواه أبو داود والحاكم صحيح الجامع: (٣٠٧٨).
(٤) رواه البخاري.
1 / 23
الحرام زاده الله تشريفًا وتلك المشاعر الطاهرة؛ فلتكثر من الدعاء بلا ملل. فأنت هنالك قريب من الرحمة ..
وتطل عليك تلك المشاعر: إبتداء بالكعبة المشرفة، وهناك أيضًا: مقام إبراهيم، والصفا والمروة، وزمزم ..
وإذا حللت أرض منى فلا تنسى أن تكثر من الدعاء عند الجمرة الكبرى يوم النحر، والجمرة الصغرى والجمرة الوسطى أيام التشريق.
وإذا حللت مزدلفة فلا تنسى أن تذكر الله تعالى وتدعوه كثيرًا عند المشعر الحرام.
أخي المسلم: بقي أن أقول لك: تلك الأوقات والأماكن جعلها الله تعالى علامات لعباده؛ يتزودون منها لدنياهم وآخرتهم .. فالمحروم حقًا من ضيع تلك الفرص .. وغفل عن تلك المنح الإلهية.
روح الدعاء المستجاب
أخي المسلم: إن للجسد روح يحيا بها ويعيش بها بين الأحياء، ويوم أن تخرج هذه الروح من الجسد يصبح في عالم الأموات؛ ويصبح وقتها لا معنى من وجوده، فيواري التراب! ولتعلم أيها الداعي أن للدعاء أيضًا روح تحركه ليصبح دعاء حيًا ينبض بالحياة؛ حتى يصعد عاليًا ليعود لصاحبه ببشرى الإجابة.
أخي المسلم: أتدري ما هي روح الدعاء المستجاب؟ !
هي: (التذلل والافتقار إلى الله تعالى) فإذا أردت لدعائك أن
1 / 24