156

ومن عجيب أمر السياسة الاستعمارية التي كانت من خطط القوم في إبان عهد الاستعمار، أنها خلقت من كتشنر هذا كله دعاية طنانة، كأنها الطبل الجوف يسمع من بعيد ولا شيء فيه من قريب.

ولا نعجب لأمر هذه الدعاية لأنها عجيبة من خطط الاستعمار، ولكننا نعجب لها لأن القوم يصدقونها ويجددون بها قصة أشعب في ساحة الجد والخطر، وهي كثيرة على اللعب والمزاح.

فقد كانت حرب الدراويش هي الفتح العظيم الذي طيروا به اسم الرجل في الخافقين، كأنهم كانوا يظنون أن القائد الذي يقاتل الأعداء بالمدافع الحديثة من بواخر النيل ومن معاقل الشاطئ؛ يأتي بمعجزة فنية خارقة إذا انتصر على أناس يقاتلون بالبنادق والحراب!

ثم أرسلوه إلى حرب البوير فأوشك أن ينهزم، لولا تفاوت القوة بين الدولة البريطانية وعصابات أفريقيا الجنوبية، وهي تتلقى العداء من الوطنيين السود ومن الإنجليز.

ثم ندبوه لتنظيم القتال في ميادين الحرب العالمية الأولى، فكانت الطامة الكبرى لولا أنه أزيح من مكانه بضربة من ضربات القضاء.

وإلى اليوم يعتقد بعض «الشكوكيين» أن الجاسوسية البريطانية لم تبذل عنايتها الوافية لحراسة القائد الكبير وهو ذاهب إلى روسيا لتنظيم الخطط الحربية هناك، فغرق عند جزائر شتلاند، وعرف الألمان موقع السفينة في سفرها من برقية لا تحتاج إلى فطنة كبيرة للعلم بما وراءها من الإيحاء.

وخلاصة القصة عن هذه البرقية أنها أرسلت من أحد العيون في البلاد الإنجليزية إلى زميل له في الخارج يسأله بما نصه:

Should Henry enter the law academy next December?

واسم جزائر شتلاند يتألف من أوائل الحروف في هذه الكلمات، وليس أيسر من ملاحظة التلفيق فيها لجمع الحروف التي يحتويها اسم الجزيرة؛ إذ ليس من العادة المألوفة في البرقيات ذكر أداة التعريف، وليست «الأكاديمي» علما على مدرسة الحقوق، ولا يلزم تحديد تاريخ الدخول بديسمبر القادم ولا بشهر من الشهور.

إلا أن العناية بكسب الحرب قد غلبت على العناية بحراسة كتشنر، فمرت البرقية بغير تدقيق!

Bog aan la aqoon