Maalinta Ibliisku Dhintay
يوم مات الشيطان
Noocyada
أقبلت النسوة في الصباح يترنمن بأصوات رخيمة. اندس بينهن وهن يتحدثن تارة بالعربية، وتارة بلغة غريبة. أخذ يتأمل جمالهن الفاتن بحسرة، واستغرب من اللغة التي لم يفهمها. حدث نفسه: «في الجنة لغات عدة، ليس كما قيل لنا إن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية.» سمع امرأة سمراء تبدو الأصغر سنا والأجمل منهن، شعرها ينسدل كالحرير، لكنها لا تبدو سعيدة، تقول: «بستان بلقيس ينتج الفاكهة أكثر من غيره من بساتين صنعاء!»
اندهش مروان، وضع كفيه على صدغيه، يحدث نفسه: «ماذا تقول هذه الفاتنة الهندية؟! لا يمكن أن أكون أنا في صنعاء، أظنني في حلم داخل حلم طال أمده.» استمع لفتاة ذات ملامح صينية، وهي تقول: طبعا مدير المقاطعة «نبيلة فاتن الزبيدي» تهتم بالبستان كثيرا، وتوزع الكثير من خيره للناس.
حدث مروان نفسه بدهشة: «إذا كانت هذه صنعاء حقا، فمتى أصبحت النسوة تحكم الرجال؟! هذا هراء.» ثم ذهب يجري نحو نخلة باسقة. لم يصدق نفسه كيف وصل إلى النخلة بسرعة الريح! لم يستغرب؛ فقد أصبح كل شيء عنده غريبا.
تسلق النخلة بخفة كأنه ريشة ترتفع إلى الأعلى، أسرع من قرد رشيق. شاهد جبلا يشبه جبل «نقم» تكسوه الخضرة، وعلى قمته قصر منيف، يبدو، من رخام أخضر. ارتفع قليلا فوق النخلة، وطاف ببصره في كل اتجاه، رأى أبراجا عالية، مركبات كثيرة تطير في الجو، أناسا تحلق في الجو في أماكن عدة .. في غمرة دهشته اتجه ببصره نحو غرب المدينة، فشاهد جبل «عيبان» بحلة خضراء، تعلوه أبراج شامخة، وكذلك الجبال المحيطة بصنعاء تكسوها الخضرة كأنها أدغال. سقط من فوق النخلة وسقط إلى الأرض كالريشة. تساءل: «أين أنا يا رب؟!»
4
عند الغروب راح مروان في نوم عميق حتى منتصف الليل. هطل المطر عليه بغزارة. ضحك وهو يقول للسماء: «أمطري كما يحلو لك، فلن تبللي روحي.» ظل مستلقيا تحت وابل المطر حتى الصباح. كانت الحيرة تكاد تسلب عقله «هل هو في حلم، أم في علم؟!» لكنه لم يفكر أنه في حالة رؤية للمستقبل. حدث نفسه: «إنه دخل البعد الرابع، أو إنه عالم الجن الخفي!» مما عزز رأيه الأخير أنه شاهد في الصباح الباكر رجلا وسيما، يرتدي نظارة أنيقة وولدا صغيرا يتبعه. وقف الرجل والولد أمام شجرة عملاقة كثيفة، قدر مروان طولها بحوالي عشرة أمتار، مثقلة بالثمار المختلفة. أخرج الرجل من جيبه شبكة صغيرة، وتحولت إلى سلة كبيرة، يمكن أن تحمل مائة كيلو من الثمار. خاف مروان وهو يشاهد يدي الرجل تزدادان طولا وتمتدان ليجمع الثمار بخفة. أما الولد الصغير فذهب يتنقل فوق فروع الشجرة كالقرد، ولم يعمل شيئا غير ذلك.
أسرع مروان يواري نفسه خلف شجرة، فهو كما يرى أن الجن أرواح والروح ترى الروح، ومما زاد من دهشته وكاد يذهب بعقله، حين شاهد أقدام الرجل عند جذع الشجرة ورأسه في أعلى غصن في الشجرة. ملأ الرجل الغريب السلة، وحملها بخفة ويسر وغادر المكان. ذهب مروان يتجول في البستان المترامي الأطراف، وهو في حيرة مما لم يجد تفسيرا له.
في اليوم الثالث قرر مروان أن يذهب مع حورياته السبع، سواء كن من عالم الإنس أو الجان؛ ليعرف هذا العالم الشبيه بالجنة، ولو أنه لن يستطيع أن يستمتع بالملذات، وراح يتتبعهن. قبل غروب الشمس رأى المركبة تظهر أمام النسوة فجأة. لم يندهش هذه المرة؛ فقد كانت الثلاثة الأيام التي قضاها في البستان كلها مفاجأة. ركب مع حورياته وأفتى لروحه أن يقبل، ويحضن ما شاء من النساء اللاتي أمامه.
ارتفعت المركبة إلى الأعلى دون أن تصدر صوتا وحلقت في الجو. عمته الفرحة والدهشة وهو يطوف بنظره فوق المدينة الرائعة، بأبراجها السداسية العالية، ولونها الزاهي البديع. لم ير مشهدا مثله في حياته. الزهور تتدلى من شرفات النوافذ، الجو معطر برائحة زكية، كأنه في غرفة نومه مع زوجته حميدة قبل اللقاء الحميمي. شاهد الناس وهي تمشي في الشوارع النظيفة المزينة بالزهور المختلفة، وخالية تماما من السيارات. ليس هناك أعمدة كهرباء، لا قمامة ولا دخان في الجو. زادت دهشته من الجمال الذي لم يكن يحلم برؤيته به في حياته. شاهدها مدينة كحديقة الزهور مترامية الأطراف. كانت المركبات الدائرية البديعة المنظر تطوف في كل مكان في سهولة ويسر، بعضها تدخل وتهبط في نوافذ كبيرة خاصة للهبوط في تلك الأبراج العالية، كأنهن نحل يدخل خلاياه. شاهد أناسا تحلق في الجو كالطيور، تفرد أجنحتها الرقيقة وأخرى تضمها لتسرع في الطيران. رأى نهرا صغيرا، يشق المدينة في الوسط يمتد حتى الجبال جهة جنوب المدينة. شاهد هناك مدينة صغيرة معلقة في الجو، بتشكيلاتها البديعة. لم يصدق عينيه أنها مدينة فوق السحب. تمنى لو أن تلك القذيفة المرعبة أخذت أسرته معه؛ ليشاهدوا العالم الفردوسي الذي يعيشه. حدث نفسه: «إنها جبال صنعاء، ولكنها ليست صنعاء التي أعرفها! فأنا فارقتها منذ ثلاثة أيام فقط.» مكث يفكر: «ترى، هل يمكن أن يكون لكل بلد جنتها وجهنمها؟! وأنا الآن في جنة صنعاء تقع في البعد الرابع.»
5
Bog aan la aqoon