ـ[يتمة الدهر في محاسن أهل العصر]ـ المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: ٤٢٩هـ) المحقق: د. مفيد محمد قمحية الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت/لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٠٣هـ١٩٨٣م عدد الأجزاء: ٤ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

1 / 1

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله خير مَا بُدِئَ بِهِ الْكَلَام وَختم وَصلى الله على النَّبِي الْمُصْطَفى وَآله وَسلم أما بعد فَإِن محَاسِن أَصْنَاف الْأَدَب كَثِيرَة ونكتها قَليلَة وأنوار الْأَقَاوِيل مَوْجُودَة وثمارها عزيزة وأجسام النثر وَالنّظم جمة وأرواحهما نزرة وقشورهما معرضة ولبوبهما معوزة وَلما كَانَ الشّعْر عُمْدَة الْأَدَب وَعلم الْعَرَب الَّذِي اخْتصّت بِهِ عَن سَائِر الْأُمَم وبلسانهم جَاءَ كتاب الله الْمنزل على النَّبِي مِنْهُم الْمُرْسل ﷺ كَانَت أشعار

1 / 25

الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين وأشعار الْمُحدثين ألطف من أشعار الْمُتَقَدِّمين وأشعار المولدين أبدع من أشعار الْمُحدثين وَكَانَت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن وأنظم للطائف الْبَدَائِع من أشعار سَائِر الْمَذْكُورين لانتهائها إِلَى أبعد غايات الْحسن وبلوغها أقْصَى نهايات الْجَوْدَة والظرف تكَاد تخرج من بَاب الْإِعْجَاب إِلَى الإعجاز وَمن حد الشّعْر إِلَى السحر فَكَأَن الزَّمَان ادخر لنا من نتائج خواطرهم وثمرات قرائحهم وأبكار أفكارهم أتم الْأَلْفَاظ والمعاني اسْتِيفَاء لأقسام البراعة وأوفرها نَصِيبا من كَمَال الصَّنْعَة ورونق الطلاوة (وكذاك قد سَاد النَّبِي مُحَمَّد ... كل الْأَنَام وَكَانَ آخر مُرْسل) وَقد سبق مؤلفو الْكتب إِلَى تَرْتِيب الْمُتَقَدِّمين من الشُّعَرَاء وَذكر طبقاتهم ودرجاتهم وَتَدْوِين كلماتهم والانتخاب من قصائدهم ومقطوعاتهم فكم من كتاب فاخر عملوه وَعقد باهر نظموه لَا يشينه الْآن إِلَّا نبو الْعين من إخلاق جدته وبلى بردته وَمَج السّمع لمردداته وملالة الْقلب من مكرراته وَبقيت محَاسِن أهل الْعَصْر الَّتِي مَعهَا رواء الحداثة وَلَذَّة الْجدّة وحلاوة قرب الْعَهْد وازدياد الْجَوْدَة على كَثْرَة النَّقْد غير محصورة بِكِتَاب يضم نشرها وينظم شذرها ويشد أزرها وَلَا مَجْمُوعَة فِي مُصَنف يُقيد شواردها ويخلد فوائدها وَقد كنت تصديت لعمل ذَلِك فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلثمائة والعمر فِي إقباله والشباب بمائه فافتتحته باسم بعض الوزراء مجريا إِيَّاه مجْرى مَا يتَقرَّب بِهِ أهل الْأَدَب إِلَى ذَوي الأخطار والرتب وَمُقِيمًا ثمار الْوَرق مقَام نثار الْوَرق وكتبته فِي مُدَّة تقصر عَن إِعْطَاء الْكتاب حَقه وَلَا تتسع لتوفية شَرطه

1 / 26

فارتفع كعجالة الرَّاكِب وقبسة العجلان وقضيت بِهِ حَاجَة فِي نَفسِي. وَأَنا لَا أَحسب المستعيرين يتعاورونه والمنتسخين يتداولونه حَتَّى يصير من أنفس مَا تشح عَلَيْهِ أنفس أدباء الإخوان وتسير بِهِ الركْبَان إِلَى أقاصي الْبلدَانِ فتواترت الْأَخْبَار وَشهِدت الْآثَار بحرص أهل الْفضل على غدره وعدهم إِيَّاه من فرص الْعُمر وغرره واهتزازهم لزهره واقتفارهم لفقره وَحين أعرته على الْأَيَّام بَصرِي وأعدت فِيهِ نَظَرِي تبينت مصداق مَا قرأته فِي بعض الْكتب أَن أول مَا يَبْدُو من ضعف ابْن آدم أَنه لَا يكْتب كتابا فيبيت عِنْده لَيْلَة إِلَّا أحب فِي غدها أَن يزِيد فِيهِ أَو ينقص مِنْهُ هَذَا فِي لَيْلَة وَاحِدَة فَكيف فِي سِنِين عدَّة ورأيتني أحاضر بأخوات كَثِيرَة لما فِيهِ وَقعت بِأخرَة إِلَى وزيادات جمة عَلَيْهِ حصلت من أَفْوَاه الروَاة لدي فَقلت إِن كَانَ لهَذَا الْكتاب مَحل من نفوس الأدباء وموقع من قُلُوب الْفُضَلَاء كالعادة فِيمَا لم يقرع من قبل آذانهم وَلم يُصَافح أذهانهم فَلم لَا أبلغ بِهِ الْمبلغ الَّذِي يسْتَحق حسن الإحماد ويستوجب من الِاعْتِدَاد أوفر الْأَعْدَاد وَلم لَا أبسط فِيهِ عنان الْكَلَام وأرمي فِي الإشباع والإتمام هدف المرام فَجعلت أبنيه وأنقضة وأزيده وأنقصه وأمحوه وأثبته وأنتسخه ثمَّ أنسخه وَرُبمَا أفتتحه وَلَا أختتمه وأنتصفه فَلَا أستتمه وَالْأَيَّام تحجز وتعد وَلَا تنجز إِلَى أَن أدْركْت عصر السن والحنكة وشارفت

1 / 27

أَوَان الثَّبَات والمسكة فاختلست لمْعَة من ظلمَة الدَّهْر وانتهزت رقدة من عين الزَّمَان واغتنمت نبوة من أَنْيَاب النوائب وخفة من زحمة الشوائب واستمررت فِي تَقْرِير هَذِه النُّسْخَة الْأَخِيرَة وتحريرها من بَين النّسخ الْكَثِيرَة بعد أَن غيرت ترتيبها وجددت تبويبها وأعدت ترصيفها وأحكمت تأليفها وَصَارَ مثلي فِيهَا كَمثل من يتأنق فِي بِنَاء دَاره الَّتِي هِيَ عشه وفيهَا عيشه فَلَا يزَال ينْقض أَرْكَانهَا وَيُعِيد بنيانها ويستجدها على أنحاء عدَّة وهيئات مُخْتَلفَة ويستضيف إِلَيْهَا مجَالِس كالطواوس ويستحدث فِيهَا كنائس كالعرائس ثمَّ يقورها آخر الْأَمر قوراء توسع الْعين قُرَّة وَالنَّفس مَسَرَّة ويدعها حسناء تخجل مِنْهَا الدّور وتتقاصر عَنْهَا الْقُصُور فَإِن مَاتَ فِيهَا مغفورا لَهُ انْتقل من جنَّة إِلَى أُخْرَى وَورد من جنَّة الدُّنْيَا على جنَّة المأوى فَهَذِهِ النُّسْخَة الْآن تجمع من بَدَائِع أَعْيَان الْفضل ونجوم الأَرْض من أهل الْعَصْر وَمن تقدمهم قَلِيلا وسبقهم يَسِيرا مَا لم تَأْخُذ الْكتب العتيقة غرره وَلم تفتض عذره وَلم ينتقص قدم الْعَهْد وتطاول الْمدَّة زبره وتشتمل من نسج طباعهم وسبك أفهامهم وصوغ أذهانهم على الْحلَل الفاخرة الفائقة والحلى الرائقة الشائقة وتتضمن من طرفهم وملحهم لطائف أمتع من بواكير الرياحين وَالثِّمَار وَأطيب من فوح نسيم الأسحار بروائح الْأَنْوَار والأزهار مَا

1 / 28

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.