فقامت العجوز لتفتح الباب، وبينما هي تمشي مشيا وئيدا دق الباب بعنف زائد، فانزعجت العجوز وصرخت بصوت يتخلله خوف قائلة: ما هذا الطبل؟ ما هذه الغوغاء؟
ثم فتحت الباب، وإذا بخمسة من الرجال يصيحون: أين القتيل؟ اقبضوا عليه.
فقرب مني أربعة شداد غلاظ قبضوا علي وشدوا وثاقي وتركوني، وذهبوا للتنقيب في أركان الكوخ لكي يبحثوا عن رجال آخرين، ولما لم يجدوا شيئا ظهرت عليهم علامات الاستغراب وقالوا: أين الرجال الآخرون؟
فقالت العجوز: إني لم أر شيئا.
وأخذت تولول، فقال رجل يظهر أنه زعيمهم: اسكتي وإلا أخذناك مع هذا الأثيم، وأشار إلي.
بالله أيها القارئ الكريم، ماذا تفتكر في حالة مسكين مثلي؛ ترك بلاده وحبيبته وإخوانه ليجد أخا له، وما وصل إلى هذه البلدة إلا بشق النفس والعناء ومكابدة الأهوال وركوب الأخطار، وتراه الآن لم يجن ذنبا سوى الأخذ بثأر من يظنه شقيقه؟ فليت شعري ماذا تكون النتيجة؟ وكيف تنتهي الحالة؟ رويدا رويدا أيها القارئ، سوف أضع أمام عينيك ماذا تم وماذا جرى؛ لترى أن الدنيا كلها أكدار وأحزان، ما صفت لإنسان قط، وإن كانت صفت لغيري ساعة فلم تصف لي دقيقة، أقول لك هذا لكي لا تتمسك بأسباب الحياة الدنيا، ولكي تسعى في عمل الخيرات فهي الطريق الموصل إلى العالم الذي لا يفنى، والعالم الذي ينال فيه عامل الخيرات جنات تجري من تحتها الأنهار لا يرون فيها أكدارا ولا أتعابا.
فيا دهر، هل بيننا ثأر أو عداء قديم حتى صوبت نحوي أسنة سهامك وأنا بريء طاهر الذيل؟! اللهم لا أمل لي إلا رحمتك وجنتك، وإني لأتمنى الموت قبل أن تنسب إلي جريرة القتل ظلما لعباد الله.
رب إن الموت خير
من حياة الذل عندي
وفي الحال، حمل اثنان منهما الجريح وأمسك بي اثنان، وما زالوا سائرين بنا والشمس على وشك الشروق حتى أوصلونا إلى منزل تظهر عليه هيئة منازل الأمراء والحكام؛ فظننت أننا وصلنا إلى منزل أمير مكة أو المحكمة، ولكن عرفت بعد ذلك أننا في منزل مولاي شرف الدين، وتحقيق الخبر أنهم استبطئوا شريفا فتوجسوا خيفة وأرسلوا في طلبه والبحث عليه الأربعة الرجال المتقدم ذكرهم، ولعلمهم أن شريفا يذهب ليلا إلى منزل الحاج علي لزيارة حبيبته تلصصوا هناك، وبينما هم يدورون وإذا بهم رأوا خادم الحاج علي يحمل قتيلا ويسير به عدوا فهجموا عليه وأمسكوه، ولكنهم رأوا أن القتيل لم يكن «شريفا» وإنما هو رجل آخر فاستفسروه فأبى الاستفسار حفظا لكرامة سيده، وحينما يئسوا منه أخذوه إلى منزل مولاي شرف الدين وضربوه ضربا عنيفا لكي يقر بأمر القتيل؛ لأنهم فهموا أن ذلك القتيل لا بد له من دخل في أمر غياب شريف، فسألهم شرف الدين عن منزل الخادم، فأورى أحدهم أنه يعرفه فأمرهم بالمسير إليه وتفتيشه، وكان ما حصل وتقدم ذكره.
Bog aan la aqoon