نعم هذه يا دهر أم المصائب
فلا توعدني بعدها بالنوائب
فلا تحسبني باسطا يد دافع
ولا فاتحا بعدها فم عاتب
الفصل الرابع
عجبت لهذي الأرض كيف تلمنا
لتصدعنا والأرض أم العجائب
أحدث نفسي خاليا بخلودها
فأين أبي الأدنى وأين أقاربي؟
بعد مضي عشرة أيام من موت والدي أتتني مربيتي وقالت: «لي معك حديث يا ولدي، فهلم بنا إلى الحديقة»، فلما سمعت ذلك ذهبت معها معللا نفسي بسماع ما يزيل عني الهموم، ولما استوى بنا الجلوس على مقعد هناك تحت شجرة كنت أمرح وألعب تحتها مع سكينة ونحن خليان من متاعب الدنيا، قالت: اسمع يا ولدي كلامي، وثبت جأشك وتصبر على موت والدك فالدنيا كلها فانية، وقد أوصاني والدك أن ألقي إليك بعض كليمات. - وما هي؟ - أوصاني أن أقول لك ما أعرفه عن حالته وثروته ومركزه قبل موته، فاعلم أن والدك كان من كبار تجار الإسكندرية، وكانت والدتك من بلاد المغرب، تزوج بها أبوك حين ذهب إلى تلك البلاد من زمن مديد. - وهل تعرفين عن أهل والدتي شيئا؟ - لا يا ولدي؛ لأن مدة إقامتي مع والدتك كانت قصيرة جدا، غير أني أذكر لك أنها كانت جميلة الطلعة، باسمة الوجه، كريمة الأخلاق، عربية العنصر. ولما كان والدك مقيما بالإسكندرية حصل هبوط عظيم في أسعار القطن، وكان عند أبيك منه كثير؛ فخسر جميع ثروته وأملاكه، ولكن لثقة التجار به وحبهم له ساعدوه، وصار يشتغل معهم بدون رأس مال، ولما بيعت بيوتكم في الإسكندرية أخلى له سعادة البك - والد سكينة - محلا من منزله بدون أجرة؛ لأنه كان يحب أباك حبا لم أر مثله بين الأشقاء. - إذن هذا ليس منزلنا.
Bog aan la aqoon