Ha Dhaco Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Noocyada
وفي كتاب «تاريخ العرب» يعزز فيليب حتي هذه الفكرة حيث يقول:
والعرب لم يبدعوا أو ينشئوا فنا عظيما خاصا بهم من الفنون المعروفة، ولكنهم عبروا عن الغريزة الفنية بصورة واحدة هي: الكلام. فإن فاخر الإغريقي بما عنده من تماثيل الفن ومنشآت هندسة البناء، فالعربي يرى قصيدته أفضل ما يعبر عن خلجاته الداخلية.
ويبدو أننا قنعنا بهذه القسمة الجائرة التي تجعلنا بارعين في الكلام وليس في أمور العقل والقدرة على العمل.
وإذا كانت اللغة تلعب دورا حاسما في وجدان كل شعوب العالم، فإن أثر اللغة على المجتمع العربي أكبر كثيرا من أي تكتل ثقافي آخر؛ فاللغة بالنسبة للعربي هي التي نزل بها القرآن، وهي لغة الأحاديث الشريفة، وهي لغة التراث الأدبي العظيم الذي تركته لنا أجيال متعاقبة من المبدعين في كل مجال، من امرئ القيس إلى نجيب محفوظ. وفوق كل هذا فهي كما قلنا بمثابة غاية تنشد لحد ذاتها. •••
وسنسعى في هذا الفصل لاستعراض أبرز الآثار الناتجة عن اللغة والمؤثرة في العقل العربي. ومن السذاجة أن نتصور أن اللغة تشكل العقل بطريقة آلية، وأن كل سمات العقل العربي التي سنطرحها في هذا الفصل هي نتيجة للغة وحدها؛ فهناك بالتأكيد عوامل أخرى ثقافية واقتصادية وتاريخية وبيئية وغير ذلك أثرت في تكوين العقل العربي. لكن لغة الضاد تلعب دورا هائلا في تشكيل هذا العقل، وهي كالجينات التي تؤهل الإنسان لصفات معينة ثم تتفاعل مع ظروف الطبيعة والحياة لتخلق شخصية الفرد، فاللغة تحدد ملامح اتجاهات الشخصية العامة لكنها تنعكس بعد هذا بطريقة متفردة على كل شخص.
وكما أن «الفكر القبلي» و«ثقافة الأذن» و«حضارة اليقين» كانت كلها في البداية عناصر إيجابية في عصور ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، ثم انقلبت إلى عوامل سلبية مع مرور الزمن، كما أثبت في كتاب «الداء العربي»، فإن اللغة ينطبق عليها هي الأخرى نفس التحليل.
فقد لعبت العربية دورا حاسما في انطلاق العقل العربي من خلال النص المؤسس لحضارة العرب وهو القرآن الكريم. وجاءت بعد ذلك الإبداعات الشعرية والنثرية في العصر الإسلامي ثم الأموي فالعباسي.
وكانت لغتنا الجميلة تسهم في رقي المشاعر وسمو النفوس وتساعد على الاستمتاع بكل ملذات الحياة الروحية والحسية. ولا شك أن اللغة كانت ركنا من أهم أركان الحياة في قصور الخلفاء والأمراء، وعنصرا من عناصر الارتقاء والشموخ النفسي. وكتاب الأغاني يدل على مكانة اللغة في الحياة العربية في عصور الازدهار. ومع تطور الزمن ورفض العرب أي تطوير للغتهم يتواءم مع التقدم الطبيعي للمجتمعات، أخذت اللغة تتحول تدريجيا إلى عامل من عوامل الجمود المعوقة للتقدم. •••
ومن أبرز الانعكاسات السلبية للغة جنوح العقل العربي إلى الاهتمام بالشكل على حساب الجوهر. وقد تنبه المتنبي لهذا العيب الخطير منذ أكثر من ألف عام بفضل بصيرته النافذة، وكأنه يستشرف آفاق المستقبل ولا يكتفي برصد حاضره. وقد شاع قوله في الشطر الثاني لأحد أبيات قصيدة يهجو فيها كافور:
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
Bog aan la aqoon