ثم قلتم: وهذا غير غريب من رجل شديد الإحساس بالصغر، واعتاد التصغير باللفظ، وعرف عنه إدمان الاطلاع على كتب النحو.» «وقد اطلعنا أخيرا على مقالة في مجلة الثقافة لبعضهم يقول فيها: إن هذا من طغيان النفسانيات على الأدب، وإن التصغير في شعر المتنبي لم يكن لتكبره، وإنما هو أداة من أدوات الهجاء يعرفها شعراء هذا الفن في الأدب العربي وفي غيره من الآداب: أداة لصيقة بفن أدبي بذاته لا وليدة الطبيعة النفسية عند من يستخدمها، وليست هناك رابطة تلازم بين التكبر والتصغير حتى ولا في شعر المتنبي نفسه؛ لأنه قد يستخدمه للتعظيم كما قال:
أحاد أم سداس في أحاد
لييلتنا المنوطة بالتنادي
إلى آخر ما جاء في مقالة الثقافة.
فهل لكم أن تدلوا برأيكم في تعقيب الكاتب؛ لأنه تفسير لرأيكم وفيه بيان لمسألة من مسائل النفسيات والأدب؟ إلخ.» •••
والذي نراه في التعقيب الذي أشار إليه الأديب أن استعمال التصغير للتعظيم لا يبطل استعماله للتحقير، وأن صيغة التصغير ليست أداة لصيقة بكل هجاء، كما جاء في مقال الكاتب بمجلة الثقافة، فلا يزال استخدام المتنبي هذه الصيغة بتلك الكثرة التي لم تعهد في شعر غيره أمرا يرجع إلى خلائقه الشخصية، ويرجع البحث فيه إلى النفسيات التي لا انفصال بينها وبين الأدب؛ لأن الأدب قبل كل شيء تعبير عن شعور، وليس أولى من النفسيات بالبحث في كل شعور.
فليست صيغة التصغير أداة لصيقة بالهجاء، ولم نرها قط بهذه الكثرة في أشعار الهجائين المنقطعين لهذا الباب، أو المشهورين به قبل سائر الأبواب.
والمتنبي لم يكن من شعراء الهجاء المشهورين به في اللغة العربية، وإنما اشتهر به شعراء آخرون كالحطيئة وجرير والفرزدق ودعبل وابن الرومي على التخصيص.
فلم لم يكثر التصغير في أشعار هؤلاء الهجائين؟
ولم كان المتنبي منفردا بهذا الإكثار؟
Bog aan la aqoon