وهل يعلم الأستاذ الصاوي كم من الملايين الثلاثة، أو الملايين الأربعة الذين زحفوا على فرنسا من الشباب الألمان يدرسون العلم، ويقرءون الهندسة؟ وكم منهم يقرءون القصص والروايات؟
كلهم قراء روايات وقصص كما ظهر من إحصاء الكتب التي كانت ترسل إليهم في الميادين، فإذا طلبوا من الروايات والقصص كتبا أخرى، فذلك هو كتاب هتلر الذي يفرضونه هناك على جميع الشبان، وليس هو بهندسة ولا بعلم واختراع، ولكنه شيء أقرب إلى الأحاجي والأساطير! •••
فالهندسة ليست مصدر القوة الألمانية.
والأدب لم يكن مصدر ضعفهم يوم انهزموا في الحرب الماضية ... لا شأن للهندسة هنا أو هناك، بل الشأن كل الشأن للبواعث النفسية، ثم تكون هندسة القوم أو يكون أدب القوم على حسب تلك البواعث من الحركة أو السكون، ومن الخير أو الشر ومن الصلاح أو الفساد.
ويح الإنسان ... كم تروعه الضجة وكم تخلبه قعقعة السلاح!
ماذا لو طبقنا رأي الأستاذ الصاوي على العلم نفسه، ولا نقول على الفن والأدب والقصة والرواية؟
يوم أن هزمت فرنسا في حرب السبعين كان اسم بسمارك ومولتكه يدوي في كل زاوية من زوايا الأرض، ويجري على كل لسان في المغرب والمشرق.
وكان في زاوية من زوايا فرنسا رجل يدعى لويس باستور يكشف جراثيم الأوبئة وأسرار التعقيم، ويعرض نفسه كل لحظة لهلاك لم يتعرض له بسمارك في العمر الطويل.
فما رأي الأستاذ أحمد الصاوي في رجل غاضب مثله متحمس مثله ناصح لبني الإنسان مثله يدخل على الشيخ باستور، فيقول: قم أيها الشيخ الفارغ ولم قواريرك وأنابيبك؟! الوقت وقت نار وحديد، وليس بوقت ماء وزجاج؟!
وأين مع ذلك حرب السبعين كلها بما انطلق فيها من المدافع، وانصهر فيها من الحديد إلى جانب تلك الأنبوبة التي لم يسمع بها ساكن الحجرة المجاورة في بيت باستور؟
Bog aan la aqoon