الأولى:
أن الصوت الذي سمعه سارية كان صوتا ماديا يبلغ الأسماع، كما يبلغها اليوم صوت المتكلم في المذياع على مسافات بعيدة.
والصورة الثانية:
أن الصوت وصل بالإيحاء النفسي إلى الجيش كله، فاتفقت نفوسهم جميعا في لحظة واحدة على الاتجاه والاستيحاء والسماع.
والصورة الثالثة:
أن الصوت وصل بالإيحاء النفسي إلى سارية وحده، أو إلى سارية ومن شاركه في هموم القيادة، فشعر به فرد واحد أو أفراد قليلون.
وأسهل هذه الصور الثلاثة قبولا في العقل، على ما نعتقد، هي الصورة الثالثة، وهي أن سارية توجه بنفسه إلى نفس عمر في مأزق شديد عليه وعلى عمر معا، فشعر به الخليفة وناداه، وهما في لحظة التقابل بالوحي والاستيحاء.
هذه الصورة أسهل قبولا من الصورتين الأخريين.
لأن الصورة الأولى وهي انتقال الصوت المادي مئات الأميال بغير الوسائل الصناعية التي نستخدمها في عصرنا يكلفنا أن نطبع العناصر المادية بطابع لم تعرف به قط فيما مضى وفيما حضر، ويقتضي أن يكون صوت سارية قد سمع في الجيش الذي معه وهو يستغيث، وقد سمع في المسجد الذي كان عمر يخطب فيه، وقد سمع الصوتان: صوت الاستغاثة وصوت الاستجابة على طول الطريق، ولم يذكر لنا رواة القصة شيئا من ذلك، ولو ذكروه لتحدث به الألوف من جند سارية ومن المصلين مع عمر ولم يقتصر حديثه على بشير واحد أو نفر قليلين.
أما الصورتان الأخريان فكلتاهما تمثل لنا وصول الصوت، أو وصول الخاطر على الأصح بطريق الإيحاء من نفس عمر إلى نفوس سامعيه، ولكن التقاء نفسين أيسر قبولا من التقاء نفس واحدة من جانب، وألوف النفوس من جانب آخر؛ ولهذا قلنا: إن التقاء الشعورين بين عمر وسارية أسهل الصور الثلاث قبولا، متى قلنا بوقوع الاستغاثة ووقوع الاستجابة.
Bog aan la aqoon