قلنا: الجواب عن هذا أنا نقول لهم ما يريدون بالكمون والظهور ماهو المعقول في أصل اللغة واصطلاح المتكلمين، أو في اصطلاحكم، فإن أردتم ماهو المفهوم منه في أصل اللغة فالكمون والظهور عندهم لا يستعمل إلا في المتحيزات، والأعراض ليست بمتحيزة؛ لأن حقيقة الظهور هو تخلي المتحيز لأعين الناظرين بعد أن كان مختفيا عنهم، وحقيقة الكمون هو اختفاء المتحيز عن أعين الناظرين بعد أن كان متخليا لهم فإن أردتم به اصطلاح المتكلمين فلم يستعمله المتكلمون إلا في المعنى الذي ذكره أهل اللغة لا في معنى غيره، وإن أردتم ما ذكره في اصطلاحكم وهو أن معنى ظهور الكون في المحل إيجاب له الصفة، ومعنى كمونه فيها هو أنه غير موجب له مع وجوده فهذا باطل من وجوه:
الأول: أنا نعيد عليكم القسمة الأولى في الكمون كم ذكرنا في الإيجاب فنقول: إذا كانا موجودين في المتحيز جميعا لم يكن أحدهما بالكمون والآخر بالظهور أولى من عكسه؛ لأنه لا يخلو إما أن يكمنا جميعا أو يظهرا جميعا، ويكمن أحدهما ويظهر الآخر، والأقسام كلها باطلة كما تقدم.
الوجه الثاني: أن العلة إنما توجب ما وجبه لما هي عليه في ذاتها وما هي عليه في ذاتها حاصل في جميع الأوقات، فليس بأن توجب في بعضها أولى من بعض، ولا يجوز أن تحصل العلة على الحد الذي يوجب عليه ولا توجب.
الوجه الثالث: أن العلة لا يجوز أن تكون موجودة، ولا توجب بأن تكون كامنة؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يفترق الحال بين وجودها وعدمها؛ لأن الفرق بينهما ليس إلا بأنها إذا كانت موجودة وجب، وإذا كانت معدومة لم توجب، وإثبات العلة [85ب] على حد لا يتميز وجودها من عدمها محال.
Bogga 168