وأحس أبو الحسين بما دبر من الأمر، وأشفق على نفسه مما استطار من شر الشر، فشكا إلى الأمير الرضا صورة الحال، وما أرصد به من الاغتيال، فبعث إليه بعدة من القواد لمرافقته إلى الدار، إجارة له مما كان يخشاه، وصيانة لروحه عما تحاماه، فتسامع طائفة من المشتركين في التدبير عليه بخبره، فطاروا بأجنحة الركض على أثره، ووضعوا فيه السيوف والدبابيس حتى أثخنوه ضربا وحطما، ورضا وقصما «1»، وأشفق من كان في مسايرته على أنفسهم، فخذلوه وأهملوه، فكان مثله كما قيل:
كليه وجريه ضباع «2» وأبشري ... بلحم امرى ء لم يشهد اليوم ناصره
وترك في الشارع صريعا، يمج دما نجيعا، وعندهم أنه [31 أ] قتيل، وأن ليس للحياة إليه سبيل، ونقل كما هو إلى باغ «3» قريب من مصرعه ليراعى ما يحدث من الرأي في غده.
فلما غشيه موج الظلام، وهب عليه رخاء السحر أن أنة سمعها الباغبان «4» فبادر إليه، فإذا به رمق قلق، ونفس مختنق، فسعى إلى دار السلطان مخبرا بثبات حسه، واضطرابه على نفسه، حتى أمر به فنقل إلى القهندز «5». وألزم الأطباء المثابرة عليه طمعا في انتعاشه، فاستصعب داؤه على الدواء، وقضى الله على عمره بالانقضاء، فمضى لسبيله عظيم القدر والخطر، كريم الورد والصدر، عديم المثل، في سعة الرحب، فقيد النظير في الفضل الغزير، لم يرو «6» في كتب الأولين أن أحدا من الوزراء اتسعت همته لمشاطرته على مروءته، ومنازعته فضل أفضاله وفتوته، سماحة كالغيث يقذف بالوبل، أو الريح تعصف بالرمل، وسياسة خفتت لها جنادب الليل، وغصت بها مشاعب السيل.
Bogga 63