161

وبرز فائق وبكتوزون وأبو القاسم بن سيمجور بملواحهم «8» عبد الملك بن نوح وسائر أهل العسكر إلى ظاهر مرو، مقابلين لعسكر الأمير سيف الدولة يعلنان جلادة، ويسران بلادة، ويقدمان ظاهر العيون، ويحجمان خيفة الحرب الزبون «9»، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فجيوب الأقطار عليهم مزرورة، وذيول الخذلان عليهم مجرورة، وبوارح الإدبار وجوائح الدمار، من كل أوب إليهم محشورة. وظل القوم على علم بأنهم يدمرون على الدمار، ويتهافتون تهافت الفراش في النار، ويقتلون الأنصار بسيوف الأنصار، كما قال الله تعالى: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار «1».

وتردد السفراء بينهم وبين الأمير سيف الدولة [91 أ] في مواضعته «2» على سلم يسلمون معها «3» في العاجل من شدة بأسه، ويفتدون «4» بها من مرارة كأسه. فأحسن الأمير سيف الدولة إجابتهم إلى مواضعتهم على علمه باستبطانهما للختل والحيلة، واستشعارهما للغدر والخديعة، إلزاما للحجة، وطمسا على الشبهة، وإعذارا إلى الكافة، وبراءة من خطة البغي في دفع المكافة. فما كان «5» إلا أن قوضت للرحيل خيامه، ونشرت للقفول أعلامه، حتى ثار أوباش القوم «6» على أثره لانتهاب عسكره يظنون بأنفسهم الظنون، وإنما يتعجلون المنون، ويدوسون أذناب الأراقم لو كانوا يشعرون .

فلما رأى الأمير سيف الدولة ركوبهم مقطعة الضلال، واقتحامهم مسبعة «7» الآجال، معلقين خيوط الرقاب «8» بالحرص الغالب، والطمع الكاذب، لا يثنيهم حلماؤهم «9» عن التسفه والتخبط، ولا يحميهم كبراؤهم عن التهور «10» والتورط، علم أن ذلك أمر يراد، وداء خلطه البغي والعناد، وأيقن أن سرهم بالفساد مغمور، وأن السفيه إذا لم ينه مأمور.

Bogga 169