Yuhuudda Taariikhda Ilbaxnimada Hore
اليهود في تاريخ الحضارات الأولى
Noocyada
وروح اليهود التجارية التي هي آية قومهم الكبرى نشأت، أو اشتدت على الأقل، بالدور الذي كان عليهم أن يمثلوه في القرون الخالية بين آسيا ووادي النيل، وبمشاهدتهم القوافل الكثيرة تمر من طرقهم ناقلة من بقعة إلى أخرى نفائس الحضارتين اللتين كانتا أرقى حضارات العالم وألطفها.
ثم إن فلسطين، كإقليم وكإنتاج، كانت من البقاع المفضلة في آسيا الغابرة، فهي إذ كانت مستورة بفروع لبنان بدت جامعة لجميع الفصول ولمحاصيل البقاع الأخرى بفضل اختلاف مرتفعاتها.
وفيما كنت ترى تحت ذرى الثلج اللامعة منحدرات مغطاة بالغاب والمراعي، كنت تشاهد في السهول حقولا خصيبة منبتة للكتان والشعير والبر.
وخصب فلسطين في القرون القديمة كان مشهورا؛ فقد بهرت العبريين عندما خرجوا من جزيرة سيناء الجديبة، وكان روادهم يأتونهم بما يثير الحماسة من وصف لتلك البقعة «التي تجري فيها جداول من لبن وعسل»، فيرونهم نماذج من أثمارها اللذيذة، وقطوف عنبها العظيمة التي لا يستطيع الرجل الواحد أن يحمل واحدا منها.
وكان يتألف من شجر العنب والتين والزيتون أهم مصادر ثروة البلاد، فأكثرت التوراة من ذكرها.
وكانت جميع الأشجار المثمرة تنبت في المنحدرات الكثيرة المتموجة في كل ناحية من نواحي البلاد الممتدة بين بلد الجليل الباسم وشواطئ البحر الميت.
واليوم أسفر قطع الغاب وإهمال الإدارة الإسلامية «العثمانية» وهول الأعراب النهابين عن امتداد رمال الصحراء إلى الأراضي، ودخول رخاء الماضي في عداد الذكريات، مع أن يد الإنسان في القرون القديمة كانت تغني عن بخل الطبيعة في تلك الأماكن، فكان الري المصنوع يمن على الأرض بما تعطي به ما لا تعطيه لعدم الماء، فكانت جميع فلسطين تقريبا تشابه بطرائها وخصبها، الواحات الساحرة التي لا تزال تنشأ على ضفاف السيول المتوجهة متدحرجة نحو البحر الميت أو نحو البحر المتوسط.
وعرف بنو إسرائيل أن يستفيدوا من تلك البقعة السعيدة، وكان بنو إسرائيل زراعا ماهرين، وبنو إسرائيل لم يحذقوا شيئا غير هذا، وهم إذ كانوا عاطلين من أي فن ومن أي علم ومن أية صناعة، وهم إذ لم يزاولوا التجارة إلا كوسطاء، وجهوا عنايتهم إلى حقولهم وإلى مواشيهم.
وتجد كتبهم المقدسة حافلة بالنعوت الرعائية وبالمقايسات والأمثلة المقتبسة من حياة الفلاحين والرعاة، وكان لأولئك القوم شعور بالطبيعة إلى درجة بعيدة، وأراد مؤلف سفر الملوك أن يوجه نظرنا إلى كثير من أمثال سليمان ونشائده، فقال: «وتكلم في الشجر من الأرز الذي على لبنان إلى الزوفى التي تخرج في الحائط، وتكلم في البهائم والطير والزحافات والسمك.»
ولم يمح السامي البدوي حتى بفعل القهر والعادة، وهو الذي لم يغادر صحاري جزيرة العرب إلا قاصدا سهول العراق المحرقة، وهو الذي أبصر في مصر أراضي مستوية تقطعها القنوات من أرض جاسان، وهو الذي بهرته أماكن فلسطين المختلفة وتلالها الضاحكة ومحاصيلها المتنوعة.
Bog aan la aqoon