إذا جاء فرنسيس ملأ أنصار مزاحميه البيت، وكبسوا عليه حتى الفجر، وإن جاء راغب آخر أقبل رجال فرنسيس بالعصي والنبابيت، وخناجر بعضهم الجزينية مشكوكة في الزنانير من وراء، وفي الناحية المقابلة من الخصر تعلق أكياس التتن المخملية المطرزة: هدايا الحبيبات إلى الأحباب.
كهرب جمال «هدلا» جو القرية، وصارت حديث الناس في بيوتهم، وفي حقولهم، وعلى العين، وقدام باب الكنيسة صباح الآحاد والأعياد، فهذه واحدة صادرة عن النبع وجرتها على كتفها، تستوقفها جارتها الواردة لتقول لها: أمس كان عندها شب مثل القمر، سبحان الخالق يا امرأة، صورة بورق.
فتضاحكت أم فنيانس وقالت: بس يا أم ضومط، نسيت قول المثل: «زوان بلدك ولا القمح الصليبي.» صحيح أن فرنسيس أسمر ولكن له هيبة السباع ...
فقاطعتها قائلة: قولي أسود ولا تخافي. فلم تعر مقاطعتها اهتماما وقالت: نعم، هو ضخم الجثة، ولكنه أنعم من الحرير. فصرخت بها أم ضومط: بس، بس، عين الحب عمياء. فتحركت أم فنيانس مظهرة الغضب، فتمسكت أم ضومط بفستانها وقالت لها: ما سمعت قول المثل: «الذي لا يتغرب لا ينال غنائم.» فرنسيس ابن أكبر بيت ولكنه مكثور عليهم.
فضحكت أم فنيانس قائلة: ومن يدريك، ربما كان الذي حكيت عنه مثل قول المثل: «الذي في الصندوق على القفا ملزوق.» ... لا تهوروا البنت، حرام عليكم يا بشر. ما لكم دين!
فاحتدت أم ضومط وقالت: شب في السوق ولا مال في الصندوق.
وامتد الحديث وطال، والجرة ترشح، فغار الماء، ومشى إلى حيث لا تحتمل أم فنيانس فوحوحت وقالت: الطبخة استوت، الميعاد بعد يومين، خميس السكارى. وما مشت خطوات حتى صاحت بأم ضومط: قولي الله يستر. فأجابتها أم ضومط: السالم لأهله. •••
وأخيرا أخذ فرنسيس «هدلا» بعد معركة حمراء أصبحوا يؤرخون بها في الضبعة فيقولون: «خلق فلان سنة شر هدلا ... وجاء سيدنا المطران إلى الضيعة بعد شر هدلا بسنة» مثلا، أما العريس الأحمر، فتنعم بزواجه وأمسى يزيد عدد أبناء آدم واحدا كل عام، ومات أبوه فاستدان ألف ذهب، وصار شيخا، فاجتمع له أمران عظيمان في القرية: زوجة «عيوقة»، والمشيخة.
وخرق في بيته يسهر على كنزه الذي لا يفنى، كان يخبر في النهار مرات كيف كعم الضيعة وأخذ هدلا، فصار يقص عليهم أيضا كيف دعس الرقاب وصار شيخا، وظل ينفق المال ولا يبالي حتى ركبه الدين، وبانت القلة في البيت فعبس في وجه أهله وزواره، وكان فرنسيس يتشبث بأطواق عابري السبيل ليعشيهم ويغديهم، فسموه مخزق الثياب، فصار يحسب ألف حساب لرغيف يكسره في وجه ضيف ما منه مهرب، وعلا عياطه في البيت، فردد خصومه قول المثل: «القلة تورث النقار.»
ورأت هدلا برودة من زوجها فتساءلت إن كان هنالك حب جديد، فكان الجواب: لا. فرجلها لا يتردد على بيت أحد، من البيت إلى الكنيسة، ومن الكنيسة إلى البيت، حقوق المشيخة محفوظة ... والتفتت حواليها فما رأت غير نسوان آدميات، وسمعت ما قال الرب يسوع يوم الأحد: «الويل للعالم من الشكوك، والويل لمن تأتي على يده.» فصلت بحرارة طول القداس، ورددت بصوت عال سمعته حماتها: يا ربي، لا تجربني. فقلبت شفتها وهزت كتفيها.
Bog aan la aqoon