حلت على أبينا الخوري نعمة «الدايم» فصار نافذ الكلمة عند الله، تنتظره الجماهير في المناحات ليفوزوا بلثم يده الطاهرة، وتحل بركته عليهم، وأمسى يصلي على الماء فيطرد الفار والجرذان والحيات، ثم عظم سلطانه الديني، فأضحى يبارك الأرض المجدبة فتستغني عن السماد ويركض نباتها طلوعا. •••
وبعد شهر جاء عيد مار مارون، فطلب الخوري نصر الله الكأس الذهبية فلم يجدها، فطر عقله، ولكنه تجلد وقدس قداسا وجيزا استغربته الرعية، وظنت الخوري مريضا، وجد في البحث سرا عن مرتكب الجريمة العظمى فلم يوفق.
ودرى أهل القرية بسرقة الكأس المخصص بها عيد أبي الطائفة، والميلاد، والفصح، فطولوا ألسنتهم كثيرا، حتى استخفوا بقديس الضيعة واتهموه بالعجز والشيخوخة؛ لأنه لم يخنق السارق قبل أن امتدت يده إلى «بيت الجسد».
وبلغ الخبر الكرسي البطريركي فرشق السارق «بالحرم الكبير» الذي يخرق العظام كما يخرق الزيت الصوف، وتلاه الكهنة في كنائس عديدة بيوم واحد، فبات المؤمنون يترقبون عودة الكأس ولكنها لم ترجع ...
وفي التاسع عشر من آذار - عيد مار يوسف - دخل الضيعة غريب راكب بغلة، فأطلوا من الأبواب على وقع حوافرها، وتبعه - كعادتهم - نفر منهم، ودخلوا وراءه بيت الخوري، فعلموا من حديثه أنه رسول الوكيل البطريركي - الخوري بطرس ضو - وأن الكأس قد وجدت، فزرعوا الخبر في القرية.
وما بدل الخوري ثيابه ولبس جبته الزرقاء حتى كانوا كلهم متجمعين حول مركوبه قدام الباب، ينتظرون سفره السعيد ليدعوا له بالتوفيق؛ عدوا وجدان الكأس إحدى عجائبه لأنه تغضب على السارق مرتين: بعد تلاوة الحرم الكبير، وفي ختام زياح القربان المقدس.
وبلغ المحترم جبيل فاستقبله الوكيل البطريركي باحترام جزيل يليق بصاحب الغبطة، وخبره أن الكأس محجوزة عند خليل الصائغ، وسارقها محبوس في القلعة، وذهبا معا ليريا الكأس والسارق.
ولما وقعت عين الخوري نصر الله على الحرامي، ارتجف واصفر، عرف به «الدايم»، فأحس في الحال أن قوة خرجت منه ...
جان أفندي
صاحبنا حنا شاب انسلخ من جميع معاني محيطه، فأصبح كاللفظة الجوفاء، هو ابن بناء قضى عمره يشن على الصخور حربا ضارية، لا تشفيا وانتقاما من تلك المخلوقات الخرساء، بل طلبا للرزق عن طريق التعمير والتجديد، فكم من بيت بان العيب فيه فجاءه أبو حنا بملطاسه - الشاقوف في لغة اليوم - وبيكه ودردبيكه فهدمه، وهذب حجارته ونظمها صفوفا يتمنى الطغاة أن تكون جيوشهم مرصوصة مثلها. إن أزميل بوحنا ومطرقته ثقفا الصخور المتمردة فلانت ملامسها الخشنة وبادت نخاريبها، فلذة بوحنا الكبرى أن ينصب على عمله نهارا ويعود إلى بيته مساء، فيصافح ولي عهده حنا بيده التي كنبت، ثم يصغي إلى حديثه الغريب فيقول: لم تعص علي الصخور الصماء ولكني عجزت عن هذا الولد الخراط الفشاط.
Bog aan la aqoon