فأجابها بهدوء مرح: عاداتك يا مبيضة الوجوه، احسبي حساب الضيعة كلها، أطعمي ولا تبعزقي.
فأجابته وقد هزها ثناؤه: ما عليك، عندنا خير كثير، وبركتك تغنينا عن كل شيء.
فحنا الخوري رأسه اتضاعا، وقال: أنا «خاطي» يا خورية.
فحسبت أن خطايا رجلها تتراءى له في هذه الليلة المباركة، فانغمت وسكتت.
وعاود الخوري الصمت فأخذ يعدل النار وينفخها، فيتطاير الشرار من أرومات التوت التي توقد خصيصا ليلة الغطاس، ومرت فترة لا نفخ فيها، كأنما كانت استعدادا لعاصفة أثارها الخوري في الموقدة، فأخرج الريح من البابين ... وذرى الرماد.
لم تطق الخورية فقالت بنبرة تخالطها ابتسامة مرة: وسخت الدنيا يا خوري، توق ثيابك.
فانبسط وجهه اعتذارا، وطلب السراج فنهضت على الأربع، فقال لها مداعبا: قصرت يا خورية. فاستضحكت، ومشت وهي تقول: نشكر الله، بين الخوري سنه الليلة.
وأجلست المسرجة عن يمينه وقعدت في مبركها تغزل، حول الخوري وجهه نحو الشرق وركع يصلي، ثم نظر شزرا فرآها تغزل فتنحنح، ثم أح الأحة المعهودة فحلت محل المغزل مسبحة «وردية» طول الحبل.
وأخذ الناس يتوافدون على بيت الخوري، فجلسوا صامتين، لم تكن تخرج كلمة إلا من أفواه الأطفال، فتحبسها الأمهات في تلك الأكمام، ولا يفلت منها إلا القليل، وإن أبطئوا عن إسكات طفل جأر الخوري وهمر، فيسد فم الصبي سدا هرمسيا.
وأطبق الخوري شحيمته وتحرك للقعود، فمسوه جمعيا بصوت واحد، وتكوموا حوله يقبلون يده - والمورد العذب كثير الزحام - فاصطدمت الرءوس بالرءوس كأكر البليار، لم يرتدوا حتى باسوها جميعا، ثم قعدوا سكوتا ينتظرون كلمته، فقال لهم: هذي ليلة شريفة ينتظرها الناس كل عام مرة، هي تذكار حلول الروح القدس على المخلص في نهر الأردن، طوبى لأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله، كما قال مخلصنا وإلهنا له المجد، هل أنتم مستعدون يا أولادي المباركين؟
Bog aan la aqoon