Jiritaanka: Hordhac Gaaban
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
الفلسفة كأسلوب حياة
لو لم أعبر عن آرائي في العدالة بالكلمة، فإني أعبر عنها بالفعل.
سقراط إلى زينوفون
على الرغم من ادعاء الوجودية أنها مفهوم جديد غير مسبوق، فإنها تجسد تقليدا راسخا في تاريخ الفلسفة في الغرب، يعود على الأقل إلى زمن سقراط (469-399ق.م)؛ ألا وهو مزاولة الفلسفة باعتبارها «اعتناء بالنفس». فتركيز الوجودية ينصب على الأسلوب اللائق للتصرف لا على مجموعة مجردة من الحقائق النظرية؛ لذلك، يعترف الجنرال الأثيني لاشيز - في إحدى محاورات أفلاطون التي تحمل اسم لاشيز - أن ما يعجبه في سقراط ليس تعاليمه، وإنما التوافق بين تعاليمه وحياته الخاصة. ويحذر سقراط نفسه المحكمة الأثينية في محاكمة إعدامه من أنهم لن يجدوا بسهولة شخصا آخر مثله يعلمهم أن يعتنوا بأنفسهم أكثر من أي شيء آخر.
ازدهر هذا المفهوم عن الفلسفة وسط الرواقيين والأبيقوريين في العصر الهيليني؛ إذ انصب اهتمامهم بصورة أساسية على القضايا الأخلاقية وتبين الأسلوب المناسب لأن يعيش المرء به حياته. وكما قال أحد الباحثين القدماء: «كانت الفلسفة عند الإغريق تشكيلية في طبيعتها أكثر منها تثقيفية.» كان الفيلسوف أشبه بطبيب الروح الذي يصف السلوكيات والممارسات اللائقة التي تعزز الصحة والسعادة.
لا شك أن الفلسفة بوصفها سعيا وراء أبجديات الطبيعة البشرية والكون كانت منتشرة بين الإغريق القدماء، وكانت أحد مقومات الاعتناء بالنفس. وقد أدى هذا المنهج النظري إلى نهوض العلم، وهو الذي سيطر على تعليم الفلسفة في العصور الوسطى والحديثة. وفي واقع الأمر، يشيع اليوم اعتبار كلمة «نظرية» مرادفا لكلمة «فلسفة» عموما، كما في تعبيري «النظرية السياسية» و«النظرية الأدبية»، حتى إن تعبير «الفلسفة النظرية» يعد نوعا من التكرار غير الضروري.
في قلب هذا التمييز بين شكلي الفلسفة (ضمن أشياء أخرى) هناك استخدامان مختلفان لكلمة «حقيقة»، وهما: الاستخدام العلمي والاستخدام الأخلاقي. الأول معرفي ونظري بدرجة أكبر، والثاني أكثر تشكيلا للذات وعملي بدرجة أكبر، كما في «كن صادقا مع نفسك». وبينما لم يحدد الاستخدام الأول شروطا لنوع الشخص الذي يجب أن يتحول إليه المرء كي يعرف الحقيقة (في نظر فيلسوف القرن السابع عشر رينيه ديكارت، يستطيع الآثم أن يفهم معادلة رياضية تماما مثل القديس)، فإن النوع الثاني من الحقيقة اشترط على المرء كي يستطيع بلوغه ضبطا معينا للنفس؛ أي مجموعة من الممارسات تجاه الذات مثل: الاهتمام بالتغذية، والتحكم في القول، والتأمل المنتظم. كانت المسألة متعلقة بالتحول إلى نوع معين من الأشخاص، وفق أسلوب الحياة الخاص الذي جسده سقراط، وليس بالوصول إلى وضوح معين في الحجة أو الرؤية على النحو الذي اتبعه أرسطو. فعلى مدار تاريخ الفلسفة، همش الاعتناء بالنفس شيئا فشيئا واقتصر تدريجيا على مجالات التوجيه الروحي، والتكوين السياسي، والاستشارة النفسية. كانت هناك استثناءات مهمة لهذا الإقصاء للحقيقة «الأخلاقية» عن المجتمع الأكاديمي. وكتاب «اعترافات القديس أوجستين » (397 بعد الميلاد) وكتاب «خواطر» لبليز باسكال (1669) وكتابات الرومانسيين الألمان في مطلع القرن التاسع عشر؛ هي أمثلة لأعمال شجعت على هذا الفهم للفلسفة باعتبارها اعتناء بالنفس.
في إطار هذا المنهج الأوسع يمكن اعتبار الوجودية حركة فلسفية، ويمكن النظر إلى الوجوديين على أنهم هم من أحيوا هذا المفهوم ذا الصبغة الذاتية عن «الحقيقة»؛ الحقيقة التي نعيشها بمعزل عن الاستخدام العلمي والموضوعي للمصطلح، وكثيرا في تضاد معهما.
ليس غريبا أن تكون لدى كل من سورين كيركجارد (1813-1855) وفريدريك نيتشه (1844-1900) - «رائدي الوجودية» في القرن التاسع عشر - مواقف متضاربة تجاه فلسفة سقراط؛ فمن ناحية، كان ينظر إلى سقراط كمدافع عن نوع من العقلانية يتخطى القيم التقليدية والشخصية الخالصة إلى معايير أخلاقية عالمية، وهو ما أشاد به كيركجارد وانتقده نيتشه. لكن كليهما احترم «قفزته» الفريدة عبر فجوة العقلانية بين أدلة الخلود الشخصي واختياره قبول حكم الإعدام الذي أصدرته المحكمة الأثينية. (حوكم سقراط وأدين بتهمتي الإلحاد وإفساد عقول الشباب بتعاليمه). بعبارة أخرى: أدرك كلا الفيلسوفين أن الحياة لا تتبع التدفق المتواصل للحجة المنطقية، وأن المرء عليه غالبا أن يخاطر بتجاوز حدود المعقول كي يعيش الحياة بكل معانيها. وكما علق كيركجارد، قدم الكثيرون أدلة على خلود الروح، لكن سقراط - بعد افتراضه أن الروح «قد» تكون خالدة - خاطر بحياته وفي ذهنه هذا الاحتمال. لقد شرب السم كما أمرته المحكمة الأثينية، وهو يتحدث طوال الوقت مع أتباعه عن احتمال أن حياة أخرى «قد» تكون في انتظاره. اعتبر كيركجارد هذا مثالا على «الحقيقة الذاتية». وكان يقصد بهذا القناعة الشخصية التي يكون الشخص مستعدا للتضحية بحياته من أجلها. وفي كتابه «اليوميات»، كتب متأملا: «المسألة هي إيجاد حقيقة صحيحة في نظري، إيجاد الفكرة التي يمكنني أن أعيش وأموت من أجلها» (1 أغسطس 1835). (1) الوضوح ليس كافيا
كتب جاليليو يقول: إن كتاب الطبيعة كتب برموز رياضية. وبدا أن التطورات اللاحقة في العلم الحديث تؤكد هذا الادعاء؛ فقد بدا أن ما هو قابل للوزن والقياس (تحديد كميته) يستطيع أن يمدنا بمعرفة موثوق بها، في حين أن ما لا يقبل القياس يترك لعالم الآراء المجردة. مجدت الفلسفة الوضعية هذا الرأي في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؛ إذ أصرت العقلية الوضعية على أن ما هو «موضوعي» مرادف لما هو قابل للقياس وما هو «مجرد من القيم». كان هدفها هو استخلاص الذات من التجربة للوصول إلى «رأي لا مرجع له» يتسم بالموضوعية الخالصة. أدى هذا إلى عدد من الاكتشافات المهمة، لكن سرعان ما اتضح أن مثل هذا المنهج غير متسق؛ فقصر ما يمكن معرفته على ما يمكن قياسه كان في حد ذاته قيمة لا يمكن قياسها. بمعنى أن اختيار هذا الإجراء كان في حد ذاته «قفزة» نوعية؛ أي يستتبع الإيمان بمجموعة من القيم التي لم تكن في حد ذاتها قابلة للقياس.
Bog aan la aqoon