Jiritaanka: Hordhac Gaaban
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
لا تستسلم لهذه الليلة الجميلة.
ثر، ثر ضد احتضار النور.
يشدد كل من الروائي والشاعر على وعي الفاعل ومسئوليته. مرة أخرى، هذه الأمثلة عن الصدق هي صور من تحول نيتشه من «ما كان» إلى «هذا ما أردته». من ناحية أخرى، توحي الصورة الجبرية لخداع الذات باستسلام متبلد لمصير المرء. وحسبما ذكرنا سابقا، هذا هو أساس إنكار سارتر للاوعي الفرويدي. ومع هذا، فقد لاحظنا أنه يستبقي العديد من الآراء «الفرويدية» بالاستعانة باستيعابنا «قبل النظري» لأفعالنا التي تسبق وعينا التأملي الظاهر. وفي ظل هذه «الوحدة» التي يتسم بها الوعي المتوتر يحدث خداع الذات؛ لأنه - وبشكل متناقض - لا يستطيع المرء أن «يكذب» على نفسه ما لم يكن منقسما بشكل أساسي، ومع هذا لو كان المرء مختلفا كلية عن المخدوع، فلن يوجد خداع للذات، لكنها ستكون حالة أطلق عليها سارتر «الكذبة الساخرة». يحمل سوء النية تناقض الوعي نفسه. يقول سارتر: إن سوء النية هو «المعرفة الجاهلة والجهل العارف». وهذا يحدث في إطار وحدة نفس الوعي المضمر بالذات.
تتجسد الصورة الثانية من هذا السقوط للتسامي (الإمكانية) في موقف سوء النية الذي يتيح لفاعل آخر تحديد «الهوية» التي نحاول التوافق معها. تتجذر هذه الصورة في علاقاتنا الشخصية، فيما سماه سارتر ب «الوجود من أجل الآخرين». ومن الأمثلة القوية على هذا مثال سارتر عن النادل المثالي. فحركة النادل سريعة ومحسوبة. هو قلق بعض الشيء حيال طلب العميل. وهو يعود موازنا صينيته بإهمال لكنه مع هذا يعطي إيحاء بالسيطرة التامة، وهكذا. يرى سارتر أنه يتظاهر «بكونه» نادلا في المقهى. لقد صار عبدا لصورة فرضتها عليه توقعات الآخرين التي نسبها إلى نفسه. يظهر سوء النية عندما يعتبر الفاعل أن أي سلوك آخر غير متصور. فهو ببساطة «كان» نادلا بكل كيانه، مثلما أن الصخرة هي مجرد صخرة. لكن وعيه يجعل هذه الهوية الكاملة مستحيلة. بشكل قبل تأملي، هو واع باللعبة، لكنه يركز بشكل تأملي على إنجاز العمل بهذه الطريقة المعينة واختار أن يتجاهل مظهره الذي يقصي أي احتمالات أخرى. من ناحية أخرى، إذا اختار أن يعيش قلق الاستمرار في تجديد هذا المظهر وهو مدرك تماما أنه في أي لحظة يمكن للمرء أن ينزع مريلته ويترك مهنته، فسيكون هذا نوعا من حسن النية والصدق مع الذات. لكن عادة ما يتجنب هذه الحرية والقلق المصاحب لها.
أما النوع الثاني - والأقل شيوعا - من سوء النية فيكمن في إسقاط وضعنا السابق من الاعتبار على نحو غير واقعي بالمرة، كما لو أننا مجرد إمكانية محضة دون واقع، نعيش بالكامل في المستقبل، وغير مهمومين بأي ماض. هذا هو سوء النية للحالم كما تجسده شخصية جيمس ثوربر «والتر ميتي». فوالتر شخص حالم عاجز عن التواصل مع العالم الواقعي، وأي موقف قادر على تحفيزه على تخيل البطل الذي يريد أن يكونه في حين أن حياته - في حقيقة الأمر - خاوية من المغامرات وعادية. كذلك الأمر مع الطالبة التي تصر على أنها ستصبح جراحة مخ، لكنها تضغط تلقائيا على زر الغفوة في منبهها بدلا من أن تنهض من فراشها لتحضر فصل الكيمياء، فهي أيضا تخدع ذاتها. فهي أيضا - مثل ربان السفينة - اختارت ألا تختار، وهو ما يعني أنها (بشكل قبل تأملي) اختارت ألا تكون جراحة لكن دون الإقرار (بشكل تأملي) بهذه الحقيقة؛ فهي سيئة النية وتخدع نفسها.
يرتبط كلا النوعين من سوء النية بكذبة حول الوضع الإنساني، مع الإصرار على أنه إما تسام أو واقعية في حين أنه - في الحقيقة - كلا الأمرين معا، لكن في مزيج غامض يعتبره أولئك الذين لا يطيقون العيش في غموض شيئا مثيرا للأعصاب. لكن من يقبلون تحدي العيش وفق حقيقة وضعهم هذه هم من يصفهم سارتر بأنهم «صادقون». (6) الوجود الصادق
لقد تحدثنا عن المشروع الوجودي المتعلق بالتحول إلى فرد. يعتبر الصدق سمة من سمات الفرد الوجودي. في الواقع، تبدو الفردية والصدق الوجوديان وكأنهما وجهان لعملة واحدة. ففردية المرء (بالمعنى الوجودي) لا تقل عن صدقه. ولكي تكون صادقا بحق يجب أن تدرك فرديتك، والعكس صحيح. كل من «الفردية» و«الصدق» الوجوديين كلمة إنجاز. فالشخص الذي يتجنب الاختيار، والذي يصبح وجها وسط الزحام أو ترسا في الماكينة البيروقراطية، قد فشل في أن يكون صادقا؛ وهكذا نستطيع الآن أن نصف الشخص الذي يعيش حياته وفقا لأوامر أو توقعات «الآخرين» بأنه غير صادق.
يعيش بطل رواية تولستوي «موت إيڤان إيليتش» معظم حياته غير صادق. وعندما يتقبل أخيرا موته الوشيك بدلا من أن يستسلم لحدوثه، يصبح صادقا. هذا الانتقال من إدراك الموت الذي يختبره «الآخرون» كبشر إلى تقبل الموت الذي يحمل اسمي أنا هو خطوة نحو الصدق. في نظر هايدجر، فإن البعد الزمني للمستقبل باعتباره ممكنا يغلب بعد الماضي كواقعية، على الرغم من أن كليهما لا يمكن تجاهله عند تقييم صدق «الكائن هنا». وهو يرى أن وجوده المتجه نحو الموت - أي زمنه الفاني - هو أكثر الإمكانيات ملاءمة له؛ لأن هذه الإمكانية هي التي تمثل نهاية إمكانياته الأخرى، والإمكانية، في نظر هايدجر، هي أهم بعد بين الأبعاد الثلاثة للوقتية الوجدانية. في هذا الشأن، يكمن عدم الصدق في الهروب من فنائنا عن طريق التخفيف من شأنه ليصبح حادثة تقع لكل الناس. يعترض إيڤان إيليتش قائلا:
إن القياس المنطقي الذي تعلمه من منطق كيسويتر: «كايوس إنسان، والإنسان فان، لهذا كايوس فان» بدا له دائما صحيحا عند تطبيقه على كايوس، لكن بالتأكيد ليس عند تطبيقه على نفسه. كان كايوس هذا - الإنسان في صورته المجردة - فانيا، وهذا صواب تماما، لكنه لم يكن كايوس، ولم يكن رجلا مجردا، بل هو مخلوق منفصل بالكامل عن الآخرين ... لقد كان كايوس بالفعل فانيا، وكان صوابا من وجهة نظره أن يموت، أما أنا - ڤانيا الصغير، إيڤان إيليتش - بكل أفكاري ومشاعري، فالأمر مختلف بالنسبة لي تماما؛ فلا يمكن أن يكون موتي وجوبيا. سيكون هذا بشعا للغاية.
في نظر هايدجر، فإن القبول الحازم لوجودنا المتجه نحو الموت هو الذي يلملم همومنا المبعثرة دونه لإدراك ما يجب أن يكون عليه الموت. هذه طريقة أخرى لتجربة وجودنا المحتمل. فما إن ندرك أننا في مرحلة زمنية ما لن يكون لنا وجود، حتى نكتشف معنى أن نوجد. وحتى لو آمنا بخلود الذات، فإن حلول تلك «الليلة الجميلة» لا يخلو من المخاطر، مثلما أدرك مارسيل. ومثلما قال موسى هيرتزوج: «هكذا نعلم بعضنا بعضا الميتافيزيقا.»
Bog aan la aqoon