Jiritaanka Diineed
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Noocyada
إن الموت هنا يعبر عن اليقين الحسي والشك الروحي.
أما مع الوجوديين اللاهوتيين والمؤمنين، فقد اكتسب الموت دورا ودلالة مختلفة، ولكنه في كل حال يزيد من حدة الهم، الذي يأتي من التناقض بين كون الإنسان محدودا كواقعه، وكونه مشدودا للمستقبل؛ فهو مهموم بتحقيق إمكانياته، في بحثه الدائم عن الوجود الأصيل، المحفوف بالموت. •••
ولا مندوحة عن الاعتراف بأن الوجودية في منطلقاتها الفلسفية نزعة أرستقراطية، تبغي الرقي بالإنسان؛ فهي دائما الترفع والتميز عن الحشد وكتلة الجماهير؛ ولا شك أنها أتتنا باستبصارات عميقة ونافذة عن الموجود البشري، كانت صائبة إلى حد أنه قد نما مؤخرا علم النفس الوجودي والعلاج النفسي الوجودي، كمقابل للاتجاهات السيكولوجية التعميمية - خصوصا السلوكية الآلية - بصورة تجافي الواقع؛ «وأحرز العلاج النفسي الوجودي نجاحا ملحوظا في علاج الأمراض اللفظية وأمراض التخاطب، خصوصا التي لا تعود إلى أسباب عضوية.»
28
وقد بدأ هذا الاتجاه السيكولوجي بما يسمى بالتحليل النفسي الوجودي. ويعد لودفيج بنسفانجر
L. Binswanger
رائده، وكان يصف عوالم مرضاه بالاعتماد على تصورات أنطولوجيا هيدجر للوجود الإنساني.
وستظل الوجودية دائما حائزة لنوط شرف في صونها لفردانية الإنسان وحريته ضد أخطار قد تحيله إلى مجرد رأس في القطيع - بتعبير نيتشه - أبرزها الآن نظام الدولة الشمولية ذات السلطة الجامعة، ووسائل الإعلام الذائعة، والضغوط التي يمارسها مجتمع الجماهير، أو العقل الجمعي.
لكن لكل شيء حدودا؛ فأي خطر يتهدد المجتمع لو أن الوجودية أخذت مأخذا حقيقيا، وأصبح كل فرد يتصرف كما لو كان عالما مستقلا؟! ببساطة لن يظل مجتمعا، بل زحاما متنافرا. سيرد الوجوديون بأن كل وجود بشري محفوف بالمخاطر، وكما أن هناك إمكانية خطر الفوضى، بل وانعدام الأخلاق، فثمة أيضا إمكانية التقدم الأخلاقي الجذري؛ ربما. لكن حتى لو افترضنا مستوى الوعي اللائق وإخلاص النية وإصابة جادة الصواب من كل فرد وهو يبدع قيمه، فلا مندوحة عن عموميات يلتزم بها الجميع لكي تستقيم حياتهم معا؛ ثم لماذا يتصورون أن كل التجاء لعموميات وتجريدات جاهزة فيه مساس بالفرد؟! والواقع أنه - من وجوه كثيرة - فيه إذكاء، وسبيل إلى تجربة وجودية أفضل؛ أليس الوجوديون أشد من سواهم إدراكا لتناهي الموجود البشري ومحدوديته؟ حياته إذن قصيرة وإمكانياته قاصرة، لا تستوعب تقصي كل الأبعاد في كل موقف وصولا إلى القرار السليم، فلماذا لا يستفيد من المبادئ العمومية التي أسفرت عنها تجارب أخرى طويلة عريضة؟ على الفور سيرد الوجوديون بأن حرية القرار أهم من سلامته؛ لذا يؤخذ عليهم إعلاء التحمس للاختيار المتفرد فوق الإنصات لصوت الحكمة الرصين؛ إنهم ينشدون تحقيق ما أسموه بالوجود الأصيل، بأي شكل كان وبأي ثمن كان، في مغامرة أو مقامرة ليس من الصواب دائما الإقدام عليها بسهولة.
وبصرف النظر عن نقطة انطلاقهم - أي محاربة العقل وهو أداة إضفاء الرونق على الواقع - والسبيل الأمثل لحل كل المشاكل وتجاوز الكوارث ... كان تكثيفهم المأساوي للحياة بدلا من توسيع نطاقها، وصمهم الآذان عن جمالاتها الكثيرة، ثم دورانهم حول مقولات الموت والقلق والإثم والهم والاغتراب ... إلخ. أفلا نتوقع إذن من الوجوديين - لاهوتيين ومؤمنين وملاحدة - الطابع المأساوي الكئيب، والهم والغم والنحيب ... كان الله في عونهم!
Bog aan la aqoon