Jiritaanka Diineed
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Noocyada
24
والتي تعني أن الوعي وعي بشيء ما يقصده؛ فهي فكرة ترتبط ربطا وثيقا بين الذات والموضوع، لما بينهما من «إحالة» متبادلة. هكذا نجد القصدية والإحالة يحققان وحدة الذات والموضوع التي حرصت الوجودية على البدء منها. بيد أن الفينومينولوجيا إحدى ذرى العقلانية؛ والوجوديون الذين أخذوا بها أو منها - وأهمهم هيدجر وسارتر وميرلوبونتي - قد أولوها تأويلا شديدا لتلائم أغراضهم، حتى إن هوسرل قد انتقد استخدام تلميذه هيدجر لأفكاره.
تقول سيمون دي بوفوار: «من المغالطة اعتبار الوجودية مذهبا يائسا؛ فهي أبعد ما تكون عن ذلك، إنها لا تحكم على الإنسان ببؤس لا علاج له»، «إن الإنسان لهو سيد مصيره الوحيد المستقل، إذا شاء فقط أن يكون كذلك، هذا ما تؤكده الوجودية، وإن هذا لتفاؤل»، «وإذا كانت الوجودية تقلق، فليس ذلك لأنها توئس الإنسان، بل لأنها تتطلب توترا مستمرا.»
25
والوجودية فعلا، حتى وإن كانت إلحادية تشاؤمية، فإنها ليست البتة موئسة، وهي أيضا ليست بالضرورة تشاؤمية، والأمل ظهر كثيرا في الوجودية الدينية المؤمنة، وخصوصا مع جبرييل مارسيل الذي وضع كتابه «الإنسان الجوال» وجعل له - كعادته - عنوانا فرعيا، هو «ميتافيزيقا الأمل»، وكأنه بهذا يواصل مسار إرنست بلوخ
E. Bloch (1885-1977م) الذي جعل «مبدأ الأمل» عنوان أهم أعماله، محورا لفلسفته اليوتوبية التي تجمع عناصر وجودية وماركسية وصوفية وعلمية وأنثربولوجية ... وهذا لا يمنع أن الروح العامة للوجودية هي بلا شك، رؤية سوداوية للحياة، وإحساس بمأساويتها وكآبتها وثقلها، وبالمعاناة الأليمة؛ فالوجودية في حد ذاتها، وفي أية صورة من صورها، فلسفة أزمة، فلسفة الموقف المتأزم للإنسان دونا عن سائر الموجودات؛ ليس هذا من صعوبة القرار ومسئولية الحرية والقلق فحسب، بل ومن مفاهيم أخرى كثيرة دارت حولها، مثل التناهي والموت والاغتراب والهم والإثم والخطيئة الأولى في المسيحية ... وغيرها؛ كلها مواقف حدية رهيبة، وأقساها التناهي، وهو خاصة أساسية للموجود البشري؛ فهو محدود من ناحية بلحظة الميلاد، والأفظع من الناحية الأخرى بلحظة الموت، حتى عرف هيدجر الإنسان (أو الآنية
Dasein ) بأنه «وجود-للموت»، من حيث أن الموت هو نهاية الحياة وقانونها المحتوم؛ الكائنات الحية الأخرى تنتهي، أما الإنسان فهو وحده الذي يموت؛ لأنه هو وحده الذي يهتم بأعلى إمكانيات وجوده وأخصبها، وهي إمكانية استحالته وانتهائه وموته.
26
فإذا كانت الذات حقلا من الممكنات، فإن الموت هو أصلب هذه الممكنات؛ لأنه الممكن الوحيد اليقيني، وهو في الوقت نفسه نهاية كل الممكنات التي تجعلها جميعا غير ممكنة؛ لذلك كان الموت عند الوجوديين الملاحدة - خصوصا ألبير كامي - برهانا نهائيا على عبثية الكون والناس، وهذه العبثية لا تنفي، بل لعلها تؤكد إعزاز الوجوديين الحميم لتجربة الحياة، وكامي نفسه يقول: «إن جزعي من الموت ينال من غيرتي الشديدة على الحياة.» و«إذا كنت أرفض رفضا باتا وعود العالم الآخر، فالسبب في ذلك أنني لا أرغب في التخلي عن خصوبة اللحظة الماثلة وما فيها من ثراء، كما أنني لا أوثر الاعتقاد بأن الموت يؤدي إلى حياة أخرى؛ فالموت بالنسبة لي باب موصد.»
27
Bog aan la aqoon