Jiritaanka Diineed
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Noocyada
7
كل هؤلاء اللاهوتيين البروتستانتيين، وسواهم ممن لا يتسع المجال لحصرهم، وجوديون صرحاء، ولكن طبعا بدرجات متفاوتة في مدى تمثلهم وتمثيلهم للفلسفة الوجودية. ولئن كان لاهوت بولتمان ومدرسته أكثر وأخلص وجودية من لاهوت تيليش، فإن تيليش هو أقدر من استطاع في آن واحد أن يجعل الوجودية تنساب في شرايين البروتستانتية، والبروتستانتية تنساب في شرايين الوجودية، والحياة تنساب في شرايين كليهما.
إن اللاهوت الفلسفي هو البحث في التضمنات الفلسفية للعقيدة الدينية، وليس يصعب إدراك الخاصة الوجودية للتضمنات الأساسية المميزة للبروتستانتية، فلا يدهشنا كل هذا الالتقاء بين اللاهوت البروتستانتي والفلسفة الوجودية، إنه مسألة تتبدى لكل من يمعن النظر في منطلقات ومضمون دعوة لوثر؛ أما عن الزاوية التاريخية لهذا الالتقاء، فقد أشار إليها تيليش نفسه، حين فرق بين ثلاثة وجوه للوجودية: الوجودية بوصفها وجهة نظر؛ وبوصفها اعتراضا أو احتجاجا
؛ وبوصفها تعبيرا. وهو يؤكد أن الوجودية كوجهة نظر حاضرة في القطاع الأعظم من اللاهوت، وأيضا من الفلسفة ومن الفكر، لكنها قد لا تكون على وعي بذاتها. أما الوجودية بوصفها احتجاجا فقد ظهرت كحركة واعية بذاتها منذ الميلاد الرسمي للوجودية مع كيركجور، لتصبح بوصفها تعبيرا خاصة مميزة للفلسفة والفن والأدب، وسادت أوروبا في مرحلة الحربين العالميتين،
8
وإذا كان ديكارت - كما هو معروف - قد شق الطريق المناوئ للوجودية، فإن تيليش يؤكد أن البروتستانتية برفضها للإثقالات الميتافيزيقية والأنطولوجية على العقيدة الدينية، كانت هي التي تحمل لواء وجهة النظر الوجودية. لكن البروتستانتية تراجعت عبر تاريخها عن الكثير من الأراضي الوجودية، وخصوصا تحت ضغط المجتمع الصناعي الذي تنامى في القرن الثامن عشر، الذي يتطلب لحسن إدارته لنفسه وللعالم فلسفة ضد الوجودية ولاهوتا ضد الوجودية، وفقط تحت تأثير الحركات الاجتماعية والتيارات السيكولوجية في القرن العشرين أصبحت البروتستانتية أكثر انفتاحا على المشاكل الوجودية للموقف المعاصر،
9
فكان ما أشرنا إليه من التقاء حميم بين اللاهوت البروتستانتي والفلسفة الوجودية.
وبعد كل هذا، يظل التوقف عند مثال تطبيقي وتمثيل عيني لهذا الالتقاء، هو فلسفة باول تيليش، ليس فقط وقوفا عند شريحة معبرة عن قطاع هام من الفكر اللاهوتي أو الغربي المعاصر، بل هو مسألة أعمق؛ إنه وقوف على طبائع وخصائص مميزة لعناصر أساسية. •••
فلئن كانت الطبيعة الخاصة للبروتستانتية تلقي بها توا في قلب الفلسفة الوجودية، فإن العكس ليس صحيحا، والطبيعة الخاصة للفلسفة الوجودية لن تلقي بها في قلب البروتستانتية فقط، بل كفيلة بجعلها تتوغل في أعطاف أي فكر لاهوتي رام وشائج فلسفية حية، وإذا كان المنشور البابوي الكاثوليكي لعام 1950م قد استبعد الوجودية بوصفها واحدة من الفلسفات المعارضة وغير المرغوب فيها، فإننا نرى هذا عندا في البروتستانتية وليس في الوجودية. وثمة فلاسفة وجوديون وكاثوليك، من الطراز الأول في وجوديتهم وفي كاثوليكيتهم، من أمثال جبريل مارسيل
Bog aan la aqoon