Weelka Marmarka
الوعاء المرمري
Noocyada
وبدأ الناس يتقدمون إليه، ودبت الحركة في البهو وتعالت همهمة الأصوات، فقال ذو نفر ساخرا: إنها تجارة حقا.
فقال نفيل: لست أبالي يا أبا الهيثم سخريتك، فقد طالما تجادلنا في أيام الشباب، وكنت تضيق بي وتشتد في لومي. كنت لا تحب سخريتي ممن يعبدون الصنم الأصم ويمسحون جباههم بأقدامه، ولكنني اليوم لا أسخر من شيء، بل أقول ما تعلمت من الأيام صريحا: كل يعبد إلهه، كل يخلق إلهه.
فقال ذو نفر في حنق: إله تخلقه أنت؟
فقال نفيل باسما: لا تغضب يا صديقي، فلست أقصد أن أثيرك. كل منا يصور لنفسه إلهه كما يشتهي، كل منا يقصد من إلهه شيئا ويتعبد له من أجله، فإذا لم يجد عنده ما أراد خلق له إلها سواه. انظر إلى أعماق نفسك وقل لي صادقا: هل تراني أقول غير الحقيقة؟
فقال ذو نفر في حنق: أتسمع يا أبا عاصم؟
فنظر نفيل إليه باسما وقال: سيروا، فالصفوف تتقدم.
ولم ينتظر جوابا، بل سار حتى دخل بين الناس يرفع رأسه فوقهم متطلعا نحو صدر الإيوان، ولا ينظر من يدفع في سبيله.
ووقف ذو نفر إلى جنب صاحبه في سكون واضعا كفيه فوق عصاه الطويلة، متكئا عليهما بجبهته حينا، ثم رفع رأسه وتنفس طويلا وقال: هلم نسر وراء الجميع يا أبا عاصم.
وتقدما حتى بلغا أطراف الجمع، وبلغت آذانهما أصوات الوفود وهي تلقي تحيتها، وكان صوت أبرهة يجيب عليها بكلمات قصيرة وضحكته العالية ترن بين الجدران، كأنها صيحة أحد السباع في ليلة ساكنة.
وتخلخلت الصفوف فظهر أبرهة والحراس وقوف من حوله، نحاف الأجسام، طوال القامة، حفاة الأقدام، عراة الرءوس، لهم شعور شعثاء تزينها حلي من ريش الطيور الملونة. وكانت نظراتهم تلمع عابسة مثل أسنة الحراب الطويلة التي في أيديهم. وكان القواد يلبسون جلود فهود تتدلى من أكتافهم إلى ركبهم، ونعالا من جلود الوعول، وأساور من الفضة في معاصمهم وسواعدهم. وكان أبرهة في حلة حمراء موشاة بالذهب، وعلى رأسه تاج تزينه الجواهر، وفي وسط جبهته ياقوتة حمراء تأتلق، ووجهه الضخم يتردد بين السماحة إذا تبسم وبين القسوة الصارمة إذا تجهم. فإذا انبسط وجهه وانفرجت أساريره ظهر عليه أثر جرح غائر يعترضه من أعلى عينه اليسرى إلى جانب خده الأيمن، يعلن للأبصار أنه أبرهة المقاتل الذي يقف في وجوه المعارك ويتلقى ضربات السيوف.
Bog aan la aqoon