Wonders of Supplication - Part Two
من عجائب الدعاء - الجزء الثاني
Daabacaha
دار القاسم للنشر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Goobta Daabacaadda
الرياض
Noocyada
تقريظ
قرأت كتاب ..
(من عجائب الدعاء)
لأخي الكريم: خالد بن سليمان الربعي فوجدت فيه ما سرَّ الخاطر وشرح الصدر.
والحقيقة أنني وجدت فيه ضالتي المنشودة من حيث جمع الروايات، والقصص، والأخبار، بهذا الباب.
وهذا الكتاب يشحذ الهمة لإدمان الدعاء وكثرة اللجأ إلى الله فاقرؤوه وادعوا لصاحبه.
له منا الشكر والدعاء ...
الشيخ
د/ عائض بن عبد الله القرني
1 / 5
المقدمة
الحمد لله مجيب الدعاء، كاشف الضر والبلاء، لا يرد سائلًا ولا يخيب راجيًا، فهو أهل الفضل والثناء، أحمده على نعمه العظيمة التي لا تحصى، وأشكره في السر والنجوى، والصلاة والسلام على من بعث بالدين الأسمى والرسالة العظمى، وعلى آله وصحبه أولي البصائر والنهى ومن بهديهم اقتفى وبآثارهم اهتدى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن الدعاء عبادة لله - تعالى - وفيه من راحة النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب ما يفوق الوصف، كما أن له أثرًا في حياة المسلم فكم من عاص هداه الله! وكم من مريض شفاه الله! وكم من فقير أغناه الله! وكم من مكروب أنجاه الله! وكم من مظلوم نصره الله! بسبب دعوة منه أو له.
وقد حاول الفقير لعفو ربه جاهدًا أن يجمع قصصًا في هذا الموضوع، لا للتسلية بل تكون حافزًا وللقارئ بالإكثار من الدعاء في كل خير من أمور الدنيا والآخرة، فخرج الجزء الأول من هذه السلسلة يحمل (١٦٥) قصة، أما هذا الجزء فإليك بيان محتواه:
١ - المقدمة.
٢ - من كلام العلماء عن الدعاء.
٣ - من دعوات الرسول ﷺ.
1 / 6
٤ - القصص:
أ- أولها من دعوات الرسول ﷺ ثم من دعوات الصحابة ﵃ ومن بعدهم إلى وقتنا الحاضر. ومجموعها (٢١٢) قصة.
ب- قد تستغرب من بعض القصص! فما حصل منها في الماضي فقد ذكرتها مع مراجعها، غير أن الكلام عن المرجع من حيث المحقق والطبعة والناشر ذكر في قسم المراجع.
وما حصل في الوقت الحاضر فقد حدثني بها من وقعت له الحادثة أو عمن حصلت له والباقي ذكرت المرجع له.
٥ - التراجم:
أ- ذكرت ترجمة لأغلب المذكورين مستقيًا ذلك من كتابي (تاريخ الإسلام) و(سير أعلام النبلاء) للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة (٧٤٨هـ) لكن قد لا تذكر الترجمة في أول ذكر للمترجم له، وقد تجوزت في ذلك إذ لا تقل عن أهمية القصة - وسبب الترجمة ما يلي:
١ - أن بعض المؤلفين يحيل القارئ في التراجم إلى المصادر وقد لا توجد بين يديه أو يتكاسل في الرجوع إليها.
٢ - ليعرف القارئ حال الداعي والمدعو عليه.
٣ - لأخذ العبرة والفائدة من سيرهم وما تشمله من (عبادات، وحكم، ونصائح، وطرائف وقصص).
1 / 7
٦ - المراجع.
٧ - الفهرس.
وأخيرًا: أسأل الله - تعالى - أن يجزي خيرًا فضيلة الشيخ الدكتور: عائض بن عبد الله القرني صاحب العلم الجم، والذهن الوقاد، والدعوة الصادقة، والوعظ الموجز البليغ على تقديمه للكتاب وحسن ظنه، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
وأسأل الله - تعالى - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لنا يوم نلقاه، وأسأله أن يديم علينا استقرارنا وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه.
وشكرًا لك أخي القارئ: إن نصيحة أهديت أو نقدًا بناءً أبديت أو فكرة أسديت أو دعوة لأخيك دعوت. راجيًا منك مشكورًا أن ترسل ما تعرفه من قصص غير ما ذُكر على العنوان أدناه.
وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوك
خالد بن سليمان بن علي الربعي
العنوان
المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات
في الشقة بريدة ص ب (٢٥٠٧٦)
الرمز البريدي (٥١٣٢١)
1 / 8
من كلام العلماء عن الدعاء
قال ابن القيم ﵀: «وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يختلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاءً لا يحبه الله لما فيه من العدوان، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًا فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليه كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «ادعو الله، وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاءً من قلب لاهٍ» فهذا دواء نافع مزيل للداء ولكنْ غفلةُ القلب عن الله تبطل قوته وكذلك أكل الحرام يبطل قوتها ويضعفها ... قال أبو ذر: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح».
وقال - رحمه الله تعالى -: «والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أن يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن. وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدهما: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاءُ فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا.
1 / 9
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه».
وقال ﵀ الله تعالى - «ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرًا أو غرس غرسًا فجعل يتعهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله».
وقال - رحمه الله تعالى: «وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب؛ وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهو: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تٌقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر؛ وصادف خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب وذلًا له وتضرعًا ورقة؛ واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله ﷺ ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ... وألح في المسألة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقةً فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي ﷺ أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم» (١).
_________
(١) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، للإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - ص١٤ - ١٩.
1 / 10
قال يحيى بن معاذ الرازي: «لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالذنوب» (١).
قال الذهبي: وروى أبو عمر الضرير عن أبي عوانة قال: دخلت على همام بن يحيى وهو مريض أعوده فقال لي: يا أبا عوانة أُدع الله لي أن لا يميتني حتى يبلغ ولدي الصغار فقلت: إن الأجل قد فرغ منه فقال لي: أنت بعد في ضلالك قلت: (والكلام للذهبي) بئس هذا! بل كل شيء بقدر سابق ولكن وإن كان الأجل قد فرغ منه فإن الدعاء بطول البقاء قد صح دعا الرسول ﷺ لخادمه أنس بطول العمر، والله يمحو ما يشاء ويثبت فقد يكون طول العمر في علم الله مشروطًا بدعاء مجاب، كما أن طيران العمر قد يكون بأسباب جعلها الله من جور وعسف و(لا يرد القضاء إلا الدعاء) والكتاب الأول فلا يتغير) (٢).
قال أبو حازم الأعرج: «لأنا من أن أمنع من الدعاء أخوف مني أن أمنع الإجابة» (٣).
روى مسعر عن ابن عون قال: ذكر الناس داء وذكر الله دواء قلت (والكلام للذهبي) إي والله فالعجب منا ومن جهلنا، كيف ندع الدواء ونقتحم الداء؟ قال الله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٣] وقال: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٦]،
_________
(١) سير أعلام النبلاء،: للذهبي (١٣/ ١٥).
(٢) المرجع السابق (٢١٩ - ٢٢٠).
(٣) المرجع السابق (١٠٠).
1 / 11
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]، ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله، ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له (١).
عن محمد بن سعد، حدثنا يحيى بن خليفة حدثنا هشام بن حسان عن مورق، قال: «ما امتلأتُ غضبًا قط، ولقد سألت الله حاجة منذ عشرين سنة، فما شفعني فيها وما سئمت من الدعاء» (٢).
عن ابن المنكدر قال: «إن الله يحفظ العبد المؤمن في ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله، فما يزالون في حفظ أو في عافية ما كان بين ظهرانيهم» (٣).
قال الذهبي في وصيته لمحمد بن رافع السلامي - رحمهما الله تعالى -: «... فثمة طريق قد بقي لا أكتمه عنك وهو: كثرة الدعاء والاستعانة بالله العظيم في آناء الليل والنهار، وكثرة الإلحاح على مولاك بكل دعاء مأثور تستحضره أو غير مأثور، وعقيب الخمس: في أن يصلحك ويوفقك» (٤).
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في فضائل الذكر والدعاء: «... ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله -
_________
(١) المرجع السابق (٣٦٩).
(٢) المرجع السابق (٣٥٥).
(٣) المرجع السابق (٣٥٥).
(٤) وصية الذهبي، لمحمد بن رافع السلامي: ص٢٥ - ٢٦.
1 / 12
تعالى - والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته ... فأخبر النبي ﷺ أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر وأنه اسم الله الأعظم، فكان ذكر الله ﷿ والثناء عليه أنجح ما طلب به العبد حوائجه. فالدعاء الذي يقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإذا انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل، فإنه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله وعرَّض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته: فهذا المقتضي منه وأوصاف المسئول مقتضى من الله فاجتمع المقتضى من السائل والمقتضى من المسئول في الدعاء وكان أبلغ وألطف موقعًا وأتم معرفة وعبودية ... وفي الصحيحين: أن أبا بكر الصديق ﵁ قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: قل: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه ﷿ بفضله وجوده وأنه المنفرد بغفران الذنوب، ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معًا فهكذا أدب الدعاء وآداب العبودية».
وقال - رحمه الله تعالى -: «قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء هذا من حيث النظر لكل منهما مجردًا ... اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة
1 / 13
القرآن ... وكذلك أيضًا قد يعرض للعبد حاجة ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها بقراءة أو ذكر لم يحضر قلبه فيهما وإذا أقبل على سؤالها والدعاء إليها اجتمع قلبه كله على الله تعالى وأحدث له تضرعًا وخشوعًا وابتهالًا، فهذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجرًا، وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفسه وفرقان بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة، فيُعطى كل ذي حق حقه ويوضع كل شيء موضعه» (١).
* * *
من دعاء النبي ﷺ -
١ - عن شداد بن أوس ﵁ عن النبي ﷺ: سيد الاستغفار أن يقول: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» قال: من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة (٢).
_________
(١) فضائل الذكر والدعاء، للإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - ص١١٧ - ١٢١.
(٢) رواه البخاري، (كتاب الدعوات) باب أفضل الاستغفار: رقم ٦٣٠٦ ص٥٣١.
1 / 14
٢ - عن أبي بكر الصديق – ﵁ – أنه قال للنبي ﷺ: علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ قال: قل: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» (١).
٣ - عن ابن عباس – ﵄ – أن رسول الله ﷺ كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» (٢).
٤ - عن أبي هريرة ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ: «يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء». قال سفيان: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي (٣).
٥ - عن مصعب قال: كان سعد يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي ﷺ أنه كان يأمر بهن: «اللهم إني أعوذ بك من البخل،
_________
(١) رواه البخاري، (كتاب الدعوات) باب الدعاء في الصلاة: رقم ٦٣٢٦ ص٥٣٢، واللفظ له ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٨٦٩ ص١١٤٨.
(٢) رواه البخاري، باب الدعاء عند الكرب: رقم ٦٣٤٦ ص٥٣٤، واللفظ له ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٩٢١ ص١١٥١.
(٣) رواه البخاري، باب التعوذ من جهد البلاء: رقم ٦٣٤٧ ص٥٣٤، واللفظ له رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٨٧٧ ص١١٤٨.
1 / 15
وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا يعني فتنة الدجال، وأعوذ بك من عذاب القبر» (١).
٦ - عن أنس بن مالك – ﵁: كان نبي الله ﷺ يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» (٢).
٧ - عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال. اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» (٣).
٨ - عن أنس بن مالك ﵁ قال: كان النبي ﷺ
_________
(١) رواه البخاري، باب التعوذ من عذاب القبر: رقم ٦٣٦٥ ص٥٣٥، واللفظ له رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٨٧٦ ص١١٤٨.
(٢) رواه البخاري، باب التعوذ من فتنة المحيا والممات: رقم ٦٣٦٧ ص٥٣٥.
(٣) رواه البخاري باب التعوذ من المأثم والمغرم رقم ٦٣٦٨ ص٥٣٥، واللفظ له ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٣٧٥ ص١١٤٨.
1 / 16
يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال» (١).
٩ - عن أنس ﵁ قال: كان أكثر دعاء النبي ﷺ: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» (٢).
١٠ - عن ابن أبي موسى عن أبيه – ﵁ – عن النبي ﷺ أنه كان يدعو بهذا الدعاء: «رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير» (٣).
١١ - عن أبي مالك الأشعري عن أبيه قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي ﷺ الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني» (٤).
_________
(١) رواه البخاري، باب الاستعاذة من الجبن والكسل: رقم ٦٣٦٩ ص٥٣٥.
(٢) رواه البخاري، باب قول النبي ﷺ: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة»: رقم ٦٣٨٩ ص٥٣٧، ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٨٤١ ص١١٤٦.
(٣) رواه البخاري، باب قول النبي ﷺ «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت»: رقم ٦٣٩٨ ص٥٣٨، ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٩٠١ ص١١٥٠.
(٤) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم ٦٨٤٩ ص١١٤٧.
1 / 17
١٢ - عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: سألت عائشة – ﵂ – عما كان رسول الله ﷺ يدعو به الله قالت كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل» (١).
١٣ - عن ابن عباس – ﵄ – أن رسول الله ﷺ كان يقول اللهم إني أعوذ بعزتك – لا إله إلا أنت – أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون (٢).
١٤ - عن أبي هريرة – ﵁ – كان رسول الله ﷺ يقول: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر» (٣).
١٥ - عن عبد الله عن النبي ﷺ أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» (٤).
١٦ - عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله ﷺ يقول، قال كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي
_________
(١) المرجع السابق: رقم ٦٨٩٥ ص١١٥٠.
(٢) المرجع السابق: رقم ٦٨٩٩ ص١١٥٠.
(٣) المرجع السابق: رقم ٦٩٠٣ ص١١٥٠.
(٤) المرجع السابق: رقم ٦٩٠٤ ص١١٥٠.
1 / 18
تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها» (١).
١٧ - عن علي – ﵁ قال: قال لي رسول الله ﷺ: قل: «اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سدادك السهم» (٢).
١٨ - عن عبد الله بن عمرو بن العاص – ﵄ – أنه سمع النبي ﷺ يقول: «إن قلوب بني آدم كلها، بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء». ثم قال رسول الله ﷺ: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك» (٣).
٢٠ - عن أبي هريرة – ﵁ – أن رسول الله ﷺ كان يدعو يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق» (٤).
* * *
_________
(١) المرجع السابق: رقم ٦٩٠٦ ص١١٥٠.
(٢) المرجع السابق: رقم ٦٩١١ ص١١٥١.
(٣) المرجع السابق، كتاب الرقاق: رقم ٦٩٤٤ ص١١٥٣.
(٤) المرجع السابق، كتاب القدر (باب تصريف الله – تعالى – القلوب كيف شاء): رقم ٦٧٥٠ ص١١٤٠.
1 / 19
اللهم اجعل له آية تعينه
ذكر ابن إسحاق (١) عن عثمان بن الحويرث عن صالح بن كيسان (٢)، أن الطفيل بن عمرو (٣) قال: كنت شاعرًا سيدًا في قومي فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤ شاعر سيد، وإنا خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وزوجته وبين المرء وابنه، فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه وينهوني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني قال: فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفًا، ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله ﷺ قائمًا في المسجد، فقمت قريبًا منه وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فقلت
_________
(١) محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار: العلامة الحافظ الإخباري، أبو بكر، صاحب السيرة النبوية، ولد سنة ثمانين، وهو أول من دون العلم بالمدينة روى حرملة عن الشافعي قال: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق عن الزهري قال: لا يزال بالمدينة علم ما بقي هذا – عنى ابن إسحاق – مات سنة اثنتين وخمسين. [السير للذهبي (٧/ ٣٣ - ٥٥)].
(٢) صالح بن كيسان: الإمام الحافظ الثقة المدني، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، وكان جامعًا من الحديث والفقه والمروءة. عن إبراهيم بن سعد جئت إلى صالح بن كيسان في منزله، وهو يكسر لهرة له يطعمها، ثم يفت لحمامات له أو لحمام يطعمه. مات بعد الأربعين والمئة. [السير للذهبي (٥/ ٤٥٤ - ٤٥٦)].
(٣) الطفيل بن عمرو الدوسي: صاحب النبي ﷺ، كان سيدًا مطاعًا من أشراف العرب، ودوس بطن من الأزد، وكان يلقب ذا النور، أسلم قبل الهجرة بمكة، قتل – ﵁ – يوم اليمامة [السير للذهبي (١/ ٣٤٤ - ٣٤٧)].
1 / 20
في نفسي: والله إن هذا للعجز! وإني أمرؤ ثبت ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها، والله لأتسمعنَّ منه، فإن كان أمره رشدًا أخذت منه وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة فلم أسمع قط كلامًا أحسن من كلام يتكلم به، فقلت: يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظًا أحسن ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته فدخلت معه بيته فقلت: يا محمد إن قومك جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق فاعرض علي دينك، فعرض علي الإسلام فأسلمت، ثم قلت: إني أرجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم فادع الله أن يجعل لي آية قال «اللهم اجعل له آية تعينه» فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي، وأبي هناك شيخ كبير وامرأتي وولدي. فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نورًا كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل وأنا منهبط من الثنية، فقلت: اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق، قال: فأتاني أبي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني قال: وما ذاك؟ قلت: إني أسلمت واتبعت دين محمد فقال: أي بني ديني دينك، وكذلك أمي فأسلما، ثم عدوت دوسًا إلى الإسلام فأبت علي وتعاصت، ثم قدمت على رسول الله ﷺ فقلت: غلب على دوس الزنا والربا فادع عليهم، فقال: «اللهم اهد دوسًا» ثم رجعت إليهم وهاجر رسول الله ﷺ فأقمت بين
1 / 21
ظهرانيهم ادعوهم إلى الإسلام حتى استجاب منهم من استجاب، وسبقتني بدر وأحد والخندق، ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس، فكنت مع النبي ﷺ حتى فتح مكة فقلت يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه قال: «أجلْ فاخرُج إليه» فأتيت فجعلت أوقد عليه النار، ثم قدمت على رسول الله ﷺ فأقمت معه حتى قُبض، ثم خرجت إلى بعث مسيلمة ومعي ابن عمرو حتى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا: رأيت كأن رأسي حلق، وخرج من فمي طائر، وكان امرأة أدخلتني في فرجها، وكأن ابني يطلبني طلبًا حثيثًا فحيل بيني وبينه، فحدثت بها قومي فقالوا: خيرًا فقلت: أما أنا فقد أولتها: أما حلق رأسي فقطعه، وأما الطائر فروحي، والمرأة الأرض أدفن فيها فقد رُوِّعت أن أقتل شهيدًا وأما طلب ابني إياي فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ولا أراه يلحق في سفره هذا. فال فقتل الطفيل يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل يوم اليرموك بعد. قال الذهبي: وقد عد ولده عمرو في الصحابة وكذا أبوه ينبغي أن يعد في الصحابة فقد أسلم فيما ذكرنا لكن ما بلغنا أنه هاجر ولا رأى النبي ﷺ (١).
* * *
_________
(١) سير أعلام النبلاء للذهبي (١/ ٣٤٥ - ٣٤٧).
1 / 22
دعاء النبي ﷺ على قريش
عن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: إن قريشًا لما أبطؤوا على النبي ﷺ بالإسلام قال: «اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف» فأصابتهم سنة حصَّت كل شيء حتى أكلوا العظام، حتى جعل الرجل ينظر في السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان، قال الله: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ [الدخان: ١٠] قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ [الدخان: ١٥] أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ وقد مضى الدخان ومضت البطشة (١).
* * *
دعاء النبي ﷺ للمدينة
عن عائشة ﵂ (٢) أنها قالت: لما قدم رسول الله ﷺ
_________
(١) رواه البخاري: رقم الحديث (٤٦٩٣) ص٣٩٠.
(٢) عائشة: أم المؤمنين بنت الصديق أبي بكر القرشية، نشهد أنها زوجة نبينا في الدنيا والآخرة فهل فوق ذلك مفخر، وإن كان للصديقة خديجة شأو لا يحلق وأنا (والكلام للذهبي) واقف في أيتهما أفضل. نعم جزمتُ بأفضلية خديجة عليها لأمور ليس هذا موضعها. سأل عمرو بن العاص ﵁ النبي ﷺ: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: «عائشة» قال: فمن الرجال؟ قال: «أبوها» عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» وعن أبي موسى ﵁ قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد ﷺ حديثٌ قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا. توفيت سنة سبع وخمسين ودفنت بالبقيع - رضي الله تعالى عنها -[السير للذهبي (٢/ ١٣٥ - ٢٠١)].
1 / 23
المدينة وعك أبو بكر وبلال (١) قالت: فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كُلُّ امرئ مُصَبَّحٌ في أهله ... والموتُ أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه يرفع عقيرته يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... بواد وحولي إذخر وجليلُ؟
وهل أردَنَّ يومًا مياه مجنَّة ... وهل يبدونَّ لي شامةٌ وطفيلُ
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك في مُدها وصاعها، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجُحْفَة» (٢).
* * *
_________
(١) بلال بن رباح ﵁: مؤذن النبي ﷺ، مولى أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - وأمه حمامة، وهو من السابقين الذين عذبوا في الله - تعالى - شهد له النبي ﷺ على التعيين بالجنة، قال عمر: أبو بكر سيدنا أعتق بلالًا سيدنا. قال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر بلال قال: غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه قال: تقول امرأته: واويلاه فقال: وافرحاه. توفى سنة عشرين بدمشق [السير للذهبي (١/ ٣٤٧ - ٣٦٠)].
(٢) رواه البخاري: رقم الحديث (٥٦٥٤) ص٤٨٤.
1 / 24