وجهة العالم الإسلامي
وجهة العالم الإسلامي
Daabacaha
دار الفكر معاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق
Lambarka Daabacaadda
١٤٣١هـ = ٢٠٠٢م / ط١
Goobta Daabacaadda
سورية
Noocyada
وبهذا رأينا المستعمر الذي تخلى عن كل وازع أخلاقي، فلم يعد يتحفظ في شيء داخل المستعمرات، يوشك أن يتخلى عن كل وازع داخل بلاده أيضًا.
فالنبوءة تتم، وأوربا بدورها تصبح ميدانًا تسوده الروح الاستعمارية، ولو أننا أردنا أن نلخص خطوها البطيء الثابت في هذه الحركة المقدورة، فلن يسعنا إلا أن ندع أحد المستعمرين يتحدث عن هذه الظاهرة:
هذا هو (إميه سيزير) (١) يتحدث في إحدى مقالاته حديثًا، يدلنا على الثروات الإنسانية التي كاد يحطمها الاستعمار فيقول:
«إن من الواجب أن نبين أولًا كيف يعمل الاستعمار على تجريد المستعمَر من حضارته، والانحدار به إلى مستوى التوحش بمعنى الكلمة، حتى أيقظ فيه الغرائز الدنيا، وسوّل له الجشع والعنف، والحقد العنصري، والنسبية الأخلاقية، ومن الواجب أيضًا أن نبين أنه طالما كانت في الهند الصينية (فيتنام) رأس مقطوعة، أو عين مقلوعة، ورضي بذلك الفرنسيون، وطالما كانت هناك فتاة مفتضة كرهًا ورضي الفرنسيون، أو مدغشقري معذب ورضي الفرنسيون، فإن طارئًا في هذه الحضارة يضغط عليها بثقله الرهيب، وتقهقرًا عامًا يسودها، ولصوصية تستقر في جوانبها، وبلاء محيقًا يمتد ليطوقها.
وليعم أولئك الذين يزعمون أنهم قوامون على الحضارة الإنسانية أن لكل شيء نهاية، وأن نهاية الغدر بالمعاهدات، ونهاية هذه الأكاذيب المتفشية، وهذه الحملات التأديبية الغاشمة، وهؤلاء المسجونين المقيدين المستجوبين، وأولئك الوطنيين المعذبين، ونهاية هذه الغطرسة العنصرية، وتلك الثرترة المنشورة، نهاية هذه جميعًا سم مصفى يتسرب في شرايين أوربا، وتقدم بطيء ثابت لأخلاق الوحشية حتى تعمها. وإذا بالناس يفيقون ذات يوم على رجع الصدى،
(١) هو أحد الكتاب الزنوج في المستعمرات الفرنسية.
1 / 136