سقى اللهُ ما تحوي دمشقُ وحيّاها ... فما أطيبَ اللذّاتِ فيها وأهناها
نزلنا بها واستوقفَتْنا محاسِنٌ ... يَحِنّ إليها كلُّ قلبٍ ويهواها
لبسنا بها عَيشًا رقيقًا رِداؤه ... ونلنا بها من صفوةِ اللهو أعلاها
سلامٌ على تلك المعاهد إنها ... مَحَطُّ صَباباتِ النفوس ومثواها
رعى الله أيامًا تَقَضَّتْ بقُربها ... فما كان أحلاها لديها وأَمْرَاها (١)
* * *
خلّينا الهامة وجُمرايا، بلدة ابن واسانة (٢)، والوادي كله عن أيماننا، وأسندنا إلى الجبل نستقبل الصحراء إلى ميسلون؛ بلاط شهدائنا، ومشهد أبطالنا، ومبدأ تاريخنا الحديث، ومثوى الأسد الرابض يوسف العظمة، الذي وقف هو وأشبال دمشق العُزّل الأقلاّء في وجه ثاني دولة قوية ظافرة، فما ضعفوا ولا استكانوا ولا جبنوا، وما زالوا يقاتلون ويدافعون عن العرين ثابتين ما ثبتت الروح في أجسامهم حتى أعجزهم أن يعيشوا أشرافًا فماتوا أشرافًا؛ فكان موتهم حياة لهذه الأمة التي حفظت العهد وحملت الأمانة، وكانت قبورهم منارًا أحمر في طريق هذا الشعب المجاهد المستميت الذي لن يقف أو يتباطأ حتى يأخذ «الكل» الذي «أعطى» الآن (٣) «بعضًا» منه، ولن ينام حتى يرى هذه
(١) ابن النقّار.
(٢) ولابن واسانة هذا قصيدة طويلة جدًا من أعجب الشعر القصصي الواقعي، يصف فيها جماعة دعاهم إلى قريته ففعلوا معه الأفاعيل. وهي قصيدة نادرة مثالُها، على بذاءةٍ فيها وأوصافٍ مكشوفة يُستحيا منها.
(٣) أي سنة ١٩٣٧.