ورغم ذلك فقد ظل الشعب يطالب ملوكه بالإصلاحات، فلم يكد يتولى فرديناند الثاني العرش بعد موت أبيه فرنسوا سنة 1830 حتى انتقد على ملأ من الناس سياسة أبيه، فنشطت الآمال ثانية وجهل الشعب أن هذا الأمير لم يخرج عن كونه من أسرة بوربون العاتية، ولما كان الملك متدينا فقد تسلط الرهبان على البلاط وأخذوا يأمرون وينهون، فحلوا محل المحظيات اللاتي كن يحكمن في عهد أبيه.
ومع هذا فإنه أجرى بعض الإصلاحات في السنوات الأولى من حكمه ليصلح بعض ما أفسده أبوه من الأمور فاهتم بالسكك الحديدية، وأعاد تنظيم المالية فزادت الثقة بالتجارة وقويت آمال الأحرار حتى إن بعضهم في مدينة بولونيه، طلب إليه أن يتزعم الحركة القومية، ورغم رفضه طلب البابا إليه باتخاذ التدابير ضد الجمعيات السرية فإنه اقترح على الحكومات الإيطالية التحالف في سبيل قمع الثورة، فهذا جزاء الأحرار الذين علقوا عليه الآمال .
وكان من جملة ما طلبه إلى المعلمين أن يعلموا تلاميذهم أن الثورة أمر من القتل وأن الملك يحل من تعهده بتحديد سلطاته، وكان الوزراء ألعوبة بيده فشجع الخصومات الشخصية فيما بينهم ليجعلهم طوع أمره.
لم تنظم طوسكانه في الحركة إلا قليلا، وحين غيرت الشرطة فيها خطتها المعتادة وأخذت تستعمل الشدة عم الاستياء حتى إن الحكومة نفسها طلبت إلى الشرطة أن تخفف من شدتها وأن تستعمل اللين، ولم يرق ذلك في أعين النمسة ولولا اعتراض الوزير الأول في طوسكانه ومقاومته لكانت القوات النمسوية قد احتلت البلد، ومع ذلك اضطرت الحكومة إلى منع مجلة أنثولوجيا من الصدور بإيحاء من النمسة وروسية.
أما في مودينه فكانت الرجعية هي السائدة، وقد زاد عدد ضحايا الدوق فرنسوا في السجون والمنافي، وكانت جريدة صوت الحق تنشر في أعمدتها بضرورة التنكيل بالأحرار تقول: «إن الله قد خلق جنهم وأقرب الأمر إلى التقوى ذلك الذي يجعل من وزيره الأول جلادا.» أما الأحرار فيجب أن يقتلوا كما يقتل أعداء الهيئة الاجتماعية ولو وافق قيصر روسية لتم نفيهم إلى سبيريا أفواجا أفواجا.
وكان حكم الشرطة واضطهادها يفوق الوصف فكانت تقبض على الأشخاص بلا سبب، وتتحرى البيوت وتتدخل في الحياة الشخصية، وهكذا وضعت الرعية في فزع مستمر، وكان أقل تعبير عن الآراء الحرة يكفي لإزالة صاحبه من الوجود.
أما في دويلات الكنيسة فكان العهد الجديد الذي فتحه البابا جرجوار عهد اضطراب قائم، وكان البابا يقاوم بنفسه كل مؤتمر علمي ويمنع تمديد السكك الحديدية في ممتلكاته؛ لأنه يزعم أن ذلك يخالف الدين ولأنه يعتقد أن السكة الحديدية تسهل مجيء الوفود المستاءة من الولايات، ولكي لا يضطر إلى الاستنجاد بالنمسة عند الحاجة فقد قرر تأليف قوة أهلية تستطيع قمع كل ثورة، فزاد «برنتيتي» عدد الجيش وشجع تأليف العصابات من المتطوعين غير النظاميين وأطلق عليهم اسم «سنتوريون»، وفي مدة قصيرة زاد عدد هذه العصابات حتى بلغ الآلاف، أضف إلى ذلك أنه كره أنصار البابا للأحرار قد جمع حولهم جماعات من المتشردين وكثيرا من الرجال ، فألفت قوة متحفزة للانتقام من خصوم الحكومة وللنهب، وبانضمام اليسوعيين إلى هؤلاء اضطر الأحرار إلى السكوت ورأت البلاد إرهابا لا نظير له ولا سيما في دولة الروماني والمارك، فامتنع القرويون السنتوريون من دفع ديونهم وهدد العمال السنتوريون رؤساءهم.
وكانت جمعية السانفيديست تبيع مساعداتها لهذا وذاك، فتزيد في الطين بلة، أما سلطان اليسوعيين القاهر فأدى إلى غاية الاضطراب والفوضى، وقد انسحبت سنة 1838 القوات النمسوية والإفرنسية من أرض الكنيسة وتركت رعية البابا تحت رحمة هذه الجماعات المستعصبة الظالمة، وتجاه هذا الضغط المتزايد قويت الجمعيات السرية وكتب «دازجيلو»:
1 «إذا سألتم فتى من أهل الروماني فيما إذا كان قد سجن، فيجيبكم فورا أما الآن فإني أصبحت رجلا؛ لأني سجنت فلا يمكن أن أكون رجلا من دون أن أسجن.» حتى إن المحافظين أنفسهم من أهل أوروبا قد سئموا هذه الحركة وشاع في المدينة المثل الآتي: «لا يمكن التفاهم مع الرهبان»، ومع هذا فإن الأحوال لم تساعد حينئذ على الثورة سواء أكان ذلك في روما أم في نابولي أم في بيمونته، فاضطر مازيني إلى الالتجاء إلى سويسرة أولا ثم إلى إنجلترة متمسكا بمثله الأعلى في إخلاص لا يتزعزع، وكان الأحرار «دارندو وجيالديني ومديجي وفانتي» يحاربون في صفوف الأحرار في إسبانية والبورتغال ليصبحوا قادة الحروب في المستقبل، أما غريبالدي فقد سافر إلى الممتلكات الإيطالية في أمريكة الجنوبية عن طريق باريس وبروكسل ولندن، باذلا جهده لزيادة الأنصار، أما الكاربوناريون فلم يذكر اسمهم فيما بعد؛ إذ انسحبوا من الميدان وتخلى مازيني برهة عن قيادة إيطالية الفتاة فأوشكت تنظيماته أن تضمحل، وأدى انتشار الهيضة من سنة 1835 إلى سنة 1837 إلى ترك الناس شئون السياسة واهتمامهم بأنفسهم، ولولا الحركة الأدبية لانطفأت شعلة الحركة.
وقد أثار كتاب سلفيو بلميكو «سجوني» حماسة القارئين أما شهيد سبيلبرج الشاعر الموسيقار بركيت فكتب نشيده الخالد إلى السلاح يا إيطالية إلى السلاح فقد بزغ فجرك.
Bog aan la aqoon