ولم يسمح بقراءة المؤلفات الإيطالية والأجنبية، فضلا عن أن أكثر المؤلفات الحديثة المشهورة ومعظم الجرائد أدخلت في قائمة المطبوعات الممنوعة، وكانت الحكومات تنشد من هذا المنع أن تصون الإيمان الديني من أن يتزعزع، وفاتها أن هذا الاضطهاد نفسه من شأنه أن يخدم حرية الفكر، وأن يؤدي إلى تمسك الطبقات المثقفة بها وإلى تقويض دعائم السلطة البابوية، وطبيعي أن تؤدي كثير من الأنظمة الأخلاقية الشديدة إلى عكس ما يراد منها، إذا كان القائمون على تنفيذها أنفسهم فاسدي الأخلاق.
فالرقابة الشديدة حرصت على أن تكون المسارح طاهرة، ولكنها سمحت للكنائس بأن تكون بؤرة للدسائس والفساد، وقال أحد الحكام الأيرلنديين وقد ساح في الأرض: «إن رعية البابا هم الشعب الأوروبي الوحيد الذي يلاقي اضطهادا أكثر مما يلاقي أبناء وطنه (الأيرلنديون).»
أما جور العصابات وتعديات رجال سنتوريون
Centurion
فقد قضت على البقية الباقية من الرفاء الذي كان يتنعم به القرويون والمزارعون، وكانت جمعية السانفيديست
Sanfedist
تضم بين جنبيها العاطلين ليصبحوا حماة الإيمان المتحمسين، والأنكى من ذلك كله أن الخلافات الموروثة قد انقلبت فيما بعد إلى كفاح دموي بين الأحرار وجماعة السانفيديست، وكانت دولة الروماني دائما ساحة للمؤامرات، وكان أكثر الأحرار من أنصار الانفصال عن روما. ولم يكن هناك تجانس بين المناطق الغربية والمناطق الشرقية؛ إذ كانت جبال الأبنين تفصل بين روما والدويلات الأخرى، وكانت هذه الدويلات قريبة في عاداتها وأهوائها من الإيالات التي ألفت بلاد إيطالية.
ولم تنس مدن الرومان الحرية المفقودة التي كانت تتمتع بها بموجب المعاهدات القديمة، لقد قضى نابليون على هذه الحرية ورفض الوزير الأول في حكومة البابا أن يعيدها فاعتبرت هذه الحكومة ناكثة لعهودها، وكانت أكثرية أهالي بولونيه الفخورة بتأريخها وجامعتها وتجارتها يحملون في صدورهم حقدا على روما، ومن جملة الأمثال الشائعة في الروماني «الترك ولا البابا»، حتى إن القسم الكبير منهم كان يرضى بحكم النمسة إذا استطاعت أن تنقذهم من جور الحكومة البابوية.
وكان البعض من رجال السياسة يرتئي أن الحكم الذاتي هو الواسطة الوحيدة لاحتفاظ روما بإيالات الأدرياتيك، وكلما حدثت أزمة في الدولة يتجلى الشعور بالانفصال شيئا فشيئا.
والخلاصة أن روما كانت كما وصفها مترنيخ «مرسحا ضخما لممثلين سيئين، كنائسها حافلة بالزينات إلا أنها خالية من الناس.» وكانت المدينة في ظاهرها من أطهر مدن أوروبا خلقا، أما في الواقع فكانت من أفسقها، وكانت الصناعة فيها غير ناشطة والمتسولون منبثين في طرقاتها وأكثر فقرائها عالة على بيوت الأساقفة والأشراف، أما العامة فكانت تحمل في قلبها ولاء لا حد له للبابا، وفيما عدا بعض الفترات فمدينة روما كانت أقل إيطالية من جميع المدن الإيطالية.
Bog aan la aqoon