وكانت الأميرة في هذه الدوقية كريمة الخلق حتى إنها استطاعت أن تنال ثقة أحرار إيطالية الذين رأوا في ابنها الأمير «شارل لويس» الزعيم المؤمل في ثورة 1831، بيد أن هذا الأمير أصبح سخرية إيطالية؛ إذ اعتنق البروتستانتية لشهوة في النفس، ثم عاد إلى الكنيسة الكاثوليكية.
وكانت البلاد متمتعة برخاء نسبي تستفيد من محصول زيتونها فائدة كبيرة، ولكن محصولاتها الزراعية لم تكن تكفي سكانها الكثيرين، فأخذ فريق منهم يهاجر منها، وفي الدوقية كثير من المدارس الابتدائية ونحو نصفها مجانية، وكانت المدارس الثانوية فيها جيدة، أما الجامعة ففيها خمسة وعشرون معلما ومائة وثمانون تلميذا.
طوسكانه
وكانت طوسكانه الحكومة الوحيدة - بعد بيمونته وبارمه - التي خضع لها رعيتها عن طيبة خاطر، وإذا قورنت هذه الحكومات بحكومات إيطالية الأخرى؛ ظهر أنها صالحة متساهلة مستنيرة.
وكانت الإصلاحات الحسنة من تقاليد أحفاد «لئوبولد» الأول أول دوق نمسوي كبير حكم البلاد، وهو من الأحرار الذين أنجبتهم أسرة هابسبرج، وكان وزير الدولة الأول ميالا بطبعه إلى الهدوء والسكنينة، ويرى أن السكون وحده كفيل بتجنب البلاد الأزمات، وشعاره في ذلك كله: «أن العالم يسير بنفسه»، فلم يكن - والحالة هذه - يأبه بالمبادئ، وإن كان في طبعه وسياسته يميل إلى خير الشعب.
وكانت التعليمات الصادرة إلى الأغنياء الذين تولوا شئون الإدارة ألا يبذلوا جهدا كبيرا، قانعين بقبض رواتبهم، وقد خدم هذا الوزير في عهد نابليون، وكان يحب أن يشتهر بالتسامح والرقي، فلذلك نراه في فرص عديدة يقبل اللاجئين من الروماني ومن نابولي، ويساعد أهل فلورنسه العاصمة على أن يرسلوا المتطوعين إلى بلاد اليونان الثائرة.
وكان الأمير لئوبولد الثاني بورجوازي الطبع محترما نشيطا، وكان يحث الأشراف على أعمال الري وزيارة مزارعه التجريبية، ورغم أن الوزير الأول كان يسعى للحيلولة دون جعل طوسكانه إيالة نمسوية؛ فإن الأمير كان - بحكم قرابته للأسرة المالكة في النمسة - يميل إلى تنفيذ أوامر فينا.
وكانت القوانين خفيفة الوطأة، ويعد قانون العقوبات الذي وضعه لئوبولد الأول في حينه نموذجا في كل أوروبا، وكانت المحاكمة بمقتضى القانون علنية ويجوز إطلاق سراح المتهم بالكفالة ولا يحكم بالموت إلا نادرا.
وقد بلغ من تساهل الشرطة حدا وبخها معه مترنيخ، ومع ذلك فإن التجسس فيها كان نشيطا فلم تنتهك حرمة البريد في أي بلاد أخرى كما انتهكت في طوسكانه، وقد بلغت مهارة الشرطة في فتح الرسائل والاطلاع على أسرارها مبلغا عظيما، حتى إن حكومة ميلانو استعانت بخبرتها في هذه الشئون.
وكانت الرقابة على المطبوعات تتساهل إلى حد ما في نقد الحكومة، وكانت الكتب الممنوعة تباع أحيانا في المكتبات علنا، أما الكتب الأجنبية فكانت تدخل البلاد بحرية، وكانت مكتبة «فيوسو»
Bog aan la aqoon