Midnimada Talyaaniga

Taaha Haashimi d. 1380 AH
189

Midnimada Talyaaniga

الوحدة الإيطالية

Noocyada

فأصبح هم لانزا الشاغل إقناع البابوية بعقد السلم وأخذ يتجنب - في حذر - التوغل في بلدة ليونين قبل أن يلتمس منه البابا إرسال جنود لصيانة سلامته، وقد أصر على أن يشمل صيغة الاستفتاء بشأن الوحدة الاقتراع على بقاء سلطة البابا الروحية أيضا، ودفع بناء على طلب أنتونللي خمسين ألف سكودي باعتبارها الإعانة الشهرية الأولى التي وعدت بها الحكومة بدفعها، قد شاركته الوزارة بأجمعها رأيه للبرهنة لأوروبا على أنه لن يلجأ إلى الشدة حين احتلال روما وأن سلطة البابا الروحية سوف تصان كما كانت تصان من قبل رايته الخاصة، على أن لانزا لو سلك سياسة أجرأ لأصاب كثيرا وإنما اختار سياسة الاعتدال فكان لا بد له من احتمال عاقبتها؛ إذ ما أسرع ما تأكد بأن أي اقتراح في التفاهم لم يلاق آذانا صاغية من الفاتيكان.

وقد عزم البابا على الرغم من ضغط اليسوعيين البقاء في روما فأيد أنتونللي هذا العزم بشدة، وقدمت له الحكومة الإنجليزية وربما حكومات أخرى ملجأ وقتيا إلا أن هذه الدعوات كانت باردة، فكان النزاع مع الطليان أمرا لا بد منه، وأثار استياء الحكومة على قصر الكردينال العائد إلى البابا سخط الكاثوليك، وامتنع البابا من استلام إعانة الحكومة بعد ذلك وشهر سلاح الحرمان الأعظم في وجه كل من اشترك في حركة قلب السلطة الزمنية، وكانت نتيجة الاستفتاء العام الذي جرى في 20 تشرين الأول أن نالت الوحدة 133000 صوت ضد 1500 صوت من 167000 مقترح مسجل، فدل هذا على مقدار تعلق الرومانيين بالوحدة، أما الصيانة التي كانت الحكومة تنوي أن تمنحها لمدينة ليونين عن طيبة خاطر فيما إذا رحب البابا بالفاتحين؛ فقد قضي عليها باحتلال تلك المدينة في 21 أيلول بعد أن رفض أنتونللي المفاوضات محاولا جعلها عشا للمجرمين والثوريين، ثم قررت الوزارة بعد ذلك نقل قاعدة الحكومة إلى روما.

بقي الآن تقديم قانون الضمانات الذي ينظم العلاقات بين الكنيسة والدولة، ويمنح البابا الحرية الروحية الموعودة، وكان البرلمان قبل ثلاثة سنوات قد رفض مشروع ريكاسولي بشأن الكنيسة الحرة، وبينما كان البعض لا ينشد من تحبيذ قانون الضمانات الحديثة سوى الأهداف السياسية وهي: تبرئة إيطالية في أنظار أوروبا الكاثوليكية وإخراج البابا من موقف الخصومة وفسح المجال للمهادنة بين الكنيسة والدولة؛ كان ريكاسولي وحزبه يحرصان قبل كل شيء على معرفة إذا كان التنظيم الجديد سيأتي بثمرات روحية طيبة إن كانوا يستهدفون إحياء الكنيسة وتضميد الجروح التي فرقت بين الكنيسة والوطنية، ومنح الكاثوليكية حياة جديدة ومنح الناس الروح الدينية.

بيد أنه كان من الصعب التوفيق التام بين غايات المصلحين وأهداف رجال السياسة، وأخيرا استحال مشروع الكنيسة الحرة بشكله الضيق أغلبية الأحرار كحل للاختلافات بين إيطالية والبابوية، وأصبح أولئك الذين يخشون سلطة الكنيسة المحررة على استعداد لقبول المشروع باعتباره الوسيلة الوحيدة لإرضاء الرأي العام الكاثوليكي ولفسح المجال لأن يعيش الملك والبابا في روما جنبا إلى جنب بسلام.

ولم يكن سيللا وكثيرون من أنصاره يرغبون في منح الكنيسة أكثر من حرية محدودة ويريدون أن تحتفظ الدولة بحق الدفاع تجاه الخصومة الإكليريكية حتى كاد المشروع أن يخفق في المجلس النيابي لولا تدخل الوزارة، وقد كفل قانون الضمانات للبابا حقوق السيادة وامتيازاتها وصرح بأن شخصه مصون، وعاقب من يتعرض له بعقوبة التعرض للملك، وضمن له حرية التصرف في قصر الفاتيكان وقصر لاتران ودفع مبلغ سنوي جسيم، واعتبر قصوره والمحلات التي ينعقد فيها مجمع الكرادلة والمجمع العام من الأماكن التي لا يشملها تشريع الدولة، كما أنه منح للبابا تسهيلات خاصة بالبريد والبرق؛ ليستطيع الاتصال بالعالم الكاثوليكي بحرية تامة، وكان موقف المجلس تجاه هذه المواد صريحا حين ناقش الصعوبات التي تنجم عنها، وذلك حين المذاكرة في القسم الثاني من القانون الذي يحدد الحريات الجديدة للكنيسة في إيطالية.

وقد جاء في هذا القسم أن الدولة تضمن للبابا حرية مطلقة في ممارسة رسالته الروحية وفي مخابراته مع أساقفته، وتتخلى عن حقها في تعيين الأساقفة وتصرف النظر عن يمين الإخلاص وبراءة التعيين، وقد دلت النتيجة على مبلغ الحكومة في الاحتياطات التي اقترحها سللا وحزبه؛ لأن التوزيع بمقتضى النموذج الجديد لواردات الإكليروس لم يتم أبدا ولو تم لاقتضى أن تنتهي واجبات الإكليروس.

وقد فسرت تلك الأحكام من قبل المحاكم بأن الحكومة احتفظت بسلطة واسعة للإشراف على الإكليروس، فكل كهنوتي لا يؤدي واجباته بموجب ما يتطلب منه القانون الديني أو يسيء استعمال تلك الواجبات في الانتخابات؛ فإنه يتعرض للحرمان من مخصصاته، حقا لقد وضع قانون الضمانات بحيطة كبيرة إلا أنه وضع بحسن نية تامة، ولو رغب الفاتيكان في السلم لروعي نصا وروحا.

مر القانون بالبرلمان في 21 آذار سنة 1871 ولكن لم يكد ينقضي شهران حتى امتنع البابا عن الاعتراف به أو الموافقة عليه، وفي 2 تموز أقام الملك في مقره في روما وافتتح في 27 تشرين الثاني البرلمان في العاصمة الجديدة وبذلك تمت الوحدة الإيطالية، وبصدور قانون الضمانات أسدل الستار على الفصل الأول من فصول النزاع مع البابا، وإذا كانت الوحدة الإيطالية لم تحقق الخبر المنشود والذي بولغ في تقديره؛ فإنها على كل حال قد أنقذت خمسة وعشرين مليونا من النفوس من شر الشرطة والجواسيس الذي كان يحول دون أية زيادة في النفوس، وأنقذت الناس من استبداد كنسي تدعمه يد الدولة القوية وأنقذتهم من حكومات لا تجرؤ على التقدم والعمل للرقي، فقد زادت الوحدة مدى حياة الناس ومنحت إيطالية السكك الحديدية والقوانين الصالحة والتطور الصناعي، وجهزتها بالمصارف الشعبية وجمعيات الإسعاف المشترك التي قد ساعدت الجيل القادم على القضاء على الاستجداء والفقر، وخلقت الوحدة في جميع الطليان شعورا بالعزة القومية؛ إذ أصبحوا ينتمون إلى دولة عظيمة لها وزنها في سياسة العالم، ولم تبق إيطالية بلد العاطفة والانتكاس وغدت إلى حدبعيد عملية تقدمية وجدية.

وبعد، فإن إيطالية دولة فتية نعمت الآن بالسكينة والدعة، وفيها تضحية ولها مثل أعلى بشري فضلا عن سياسة سامية، وإذا كانت فضائلها السياسية أقل شأنا من نوايا بعض الأمم الأخرى إلا أنها سالمة من بعض معايب تلك الأمم، وإذا كانت لا تملك كثافة النفوس والثروة اللازمتين لكي تلعب دورا خطيرا في السياسة الأوروبية؛ فإنها تمثل بالإجمال دور السياسة الرصينة الحرة في وقت أصبح العقل والحرية فيه في حالة الانحطاط، وحينما تنظم بيتها فإن سكينتها واعتدالها وزد على ذلك رغبتها في الخير؛ ستمنحها نفوذا عظيما فعالا.

Bog aan la aqoon