صاح قائلا: «حسنا، أيها الشبان، اللهو مسل، ولكن علي أن أعاود العمل. يجب أن أكسب عيشي على أي حال.»
كان ييتس مستمتعا بانتصاره، وقال لنفسه إنهم لن يحاولوا «النيل منه» مرة أخرى.
سار ماكدونالد بخطوات واسعة إلى الفرن وأخرج قضيب الحديد الذي كان أبيض من شدة سخونته. ثم أومأ بإيماءة تكاد تكون غير ملحوظة إلى ساندي، الذي دائما ما كان متأهبا بعصارة التبغ، فبصق على سطح السندان العلوي مباشرة بدقة متناهية . فوضع ماكدونالد الحديد الساخن فورا على البقعة المبصوق عليها، وسرعان ما طرقه بكل قوة بالمطرقة الثقيلة. فكانت النتيجة مرعبة. فقد انتشرت على الفور مروحة من شظايا الحديد المنصهر أضاءت المكان كأنها وميض برق. وصدر صوت ارتطام قوي كانفجار قذيفة مدفعية. امتلأت الورشة للحظة بوابل من الشرر المتطاير اللامع، الذي طار منتشرا كالنيازك في كل أركانها. كان كل من في الورشة مستعدا لهذا الانفجار ما عدا ييتس. فانتفض إلى الوراء مطلقا صيحة، وتعثر، ولم يكن لديه متسع من الوقت لاستخدام يديه ليخفف وطأة سقوطه؛ لذا خر على الأرض وتدحرج إلى كعوب الخيول. فهاجت الحيوانات التي أرعبها الصوت المدوي، وظلت تضرب الأرض بأقدامها بقوة، واضطر ييتس إلى الزحف بسرعة على يديه وركبتيه حتى بلغ مأوى أأمن، مبديا سرعة وخفة على حساب هيبته. لم يبتسم الحداد قط، لكن كل من في الورشة قهقه ضحكا. فها قد صارت سمعة البلدة في مأمن بذلك. وانحنى جسد ساندي من شدة ضحكه الصاخب.
صاح قائلا: «لا أحد كالرجل العجوز! أوه، يا إلهي! يا إلهي! إنه الأصلي وفريد من نوعه.»
نهض ييتس على قدميه ونفض عن نفسه الغبار ضاحكا مع الباقين.
قال: «إذا كنت أعرف تلك الحيلة أصلا من قبل، فقد نسيتها بالتأكيد. هذه نقطة محسوبة علي، كما قال هذا الشاب الذي يتشنج من شدة الضحك منذ لحظة. أيها الحداد، فلنتصافح! سأدعو كل الحاضرين إلى مشروب على نفقتي الخاصة، إن كان يوجد مكان قريب من هنا.»
الفصل الحادي عشر
ربما يدعي الأشخاص الذين لا يملكون سوى معرفة سطحية بالحياة والأوقات التي تقضى هنا أن متجر البقالة، وليس ورشة الحدادة، كان هو النادي الريفي الحقيقي؛ أي المكان الذي تناقش فيه سياسات البلدة، وتمتدح فيه أفعال كبار المسئولين أو تستنكر، وتنتقد فيه الحكومة. صحيح أن متجر البقالة كان نادي القرية، حين يتطور مكان مثل كورنرز ليصبح قرية، لكن ورشة الحدادة عادة ما كانت أول مكان يشيد في البقعة التي يقدر لها أن تشهد إقامة قرية في نهاية المطاف. كانت هي النواة الأساسية. ومع نمو مكان ما وتسلل الرفاهية التي تنتزع نشاط الناس وطاقاتهم إليه، كان متجر البقالة يحل محل ورشة الحدادة رويدا؛ لأن الناس كانوا يجدون أن الجلوس على برميل خشبي صغير أو صندوق من المقرمشات في البقالة أكثر راحة من المقاعد القليلة المتاحة في ورشة الحدادة، وفوق ذلك، كان المتجر في فصل الشتاء، بموقده الصندوقي الأحمر الساخن مكانا للدفء والبهجة، لكن الاستمتاع بمثل هذا الجو المريح كان يقتضي أن يعيش أعضاء النادي بالقرب منه؛ لأنه لا أحد كان ليجرؤ على تحمل عواصف ليل شتوي كندي، وقطع ميل أو اثنين عبر الجليد، ليستمتع حتى بملذات متجر البقالة. لذا كان متجر البقالة في الأساس ناديا قرويا وليس نادي بلدة.
ومع تقدم الحضارة، وجد الحداد بالطبع أنه من المستحيل أن ينافس البقال. فلم يكن يستطيع تقديم إغراءات مماثلة. وصار متجر البقالة أقرب من ورشة الحدادة في تلبية الانغماس المستحب في الملذات على غرار نوادي «أثينيوم» أو «ريفورم» أو «كارلتون». فقد كان يشبع شهية الإنسان ويزوده بشحنة من التحفيز الفكري للنقاش والجدل. فعادة ما كان المتجر يضم صندوقا مفتوحا من البسكويت المملح، ومع أن هذا البسكويت دائما ما كان جافا، إلا أن مضغه كان ممتعا حين يؤكل ببطء. ودائما ما كان برميل البندق مكشوفا بلا غطاء. أما الزبيب، فكان موجودا في صندوقه المربع، الذي كان يحمل ورقة زرقاء مكتوبا عليها «ملقا»، أسفل صورة ملونة لبعض قاطفي العنب الإسبان المبتهجين على الأرفف الواقعة خلف المنضدة، وكان يوضع بزاوية مناسبة لعرض محتوياته لكل الوافدين، غير أن وضعه في هذا المكان كان يتطلب من رواد المتجر مد الذراع لمسافة طويلة جدا ووقاحة أشد من المعتاد كي يأخذوا منه بلا حساب، لكن برميل سكر موسكوفادو البني كان موضوعا حيث كان الجميع يستطيعون غمس أياديهم فيه، في حين أن من كان يجلس على برميل المسامير التي كان طولها يبلغ ثلاث بوصات كان يستطيع مد ذراعه إلى نافذة العرض من فوقه، حيث كانت السكاكر ذات الألوان العديدة تستعرض نفسها ، مع أن الشخص الذي كان يأخذ منها كثيرا دون استئذان كان يلقى استياء؛ لأن آداب الذوق العام في النادي كانت تقتضي عدم اختلاس الأشياء الباهظة. وكان البقال نفسه يضع حدودا على أخذ السكاكر، وعادة ما كان يوبخ من يأخذ منها كمية ثانية توبيخا لطيفا: «هل أضيف هذه إلى حسابك يا سام، أم ستدفع ثمنها الآن؟»
كانت كل هذه المأكولات الشهية تؤخذ بشيء من الاختلاس، وعادة ما كان مختلسوها يتصنعون قسمات شاردة كما لو أن الاختلاس لم يكن مقصودا. لكنهم كلهم كانوا زبائن جيدين لدى البقال، ولا شك أنه كان يعتبر هذه الاختلاسات جزءا من التجارة، كالظواهر التجارية التي شهدتها الأزمنة اللاحقة مثل تقديم هدية للزبون مع كل رطل من الشاي، أو تقديم ساعة مجانية مع كل حلة. ومع ذلك، لم يكن يتفوه بأي شيء إلا إذا أساء الزبائن استغلال كرمه، ونادرا ما كان هذا يحدث.
Bog aan la aqoon