مما هو معلوم عند أهل الحديث أن في موطأ الإمام مالك مراسيل وبلاغات رواها كما سمعها، ولم تقع له موصولة، وقد وصلها الحافظ ابن عبد البر في كتاب التمهيد، إلا أربعة بلاغات، لم يجد لها إسنادا، ولا رآها في كتاب غير الموطأ.
وكان مولانا الشيخ الإمام الوالد ﵀ ورضي عنه، ونفعني برضاه، أخبرني أيام الطلب، حين حدثني عن كتاب الموطأ كما حدثني عن غيره من الكتب الحديثية وغيرها، أن الحافظ ابن الصلاح وصل تلك البلاغات في رسالة خاصة.
فمنذ سمعت ذلك منه وأنا متشوق إلى الوقوف على تلك الرسالة، إلى أن يسر الله العثور عليها، فقمت بتحقيقها ونشرها.
وهي تحفة نادرة أقدمها للمشتغلين بعلم الحديث عامة، وللمهتمين بالموطأ خاصة، وأحب أن أشير إلى أمور: كثير من الناس اعتقدوا أن تلك البلاغات صحيحة بمجرد أن سمعوا أن الحافظ ابن الصلاح وصلها، وبنوا على اعتقادهم أن أحاديث الموطأ كلها صحيحة بمرسلاتها وبلاغاتها، ليس فيها حديث ضعيف، وممن صرح بذلك المرحوم الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، فإنه نقل في كتابه دليل السالك إلى موطأ مالك عن الشيخ صالح الفلاني أنه رد قول الحافظ العراقي: إن مالكا لم يفرد الصحيح في الموطأ بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات، ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف، كما ذكره ابن عبد البر.
اهـ.
وهو كلام سليم، فبماذا رده الشيخ صالح؟ قال: وما ذكره العراقي أن من بلاغاته ما لا يعرف، مردود بأن ابن عبد البر ذكر أن جميع بلاغاته ومراسيله ومنقطعاته كلها موصولة بطرق صحاح إلا أربعة أحاديث، وقد وصل ابن الصلاح الأربعة في تأليف مستقل وهو عندي، وعليه خطه، فظهر بهذا أنه لا فرق بين البخاري والموطأ، وصح أن مالكا أول من صنف في الصحيح.
اهـ.
وعقب عليه الشيخ الشنقيطي، بقوله: والعجب من ابن الصلاح ﵀، كيف يطلع على اتصال جميع أحاديث الموطأ حتى إنه وصل الأربعة التي اعترف ابن عبد البر بعدم الوقوف على طرق اتصالها، ومع هذا لم يزل مقدما للصحيحين عليه في الصحة! مع أن الموطأ هو أصلهما، وقد انتهجا منهجه في سائر صنيعه.
اهـ.
وكل هذا خطأ كبير، يتبين بالوجوه الآتية: - ذكر محمد فؤاد عبد الباقي أنه عرض الكلام السابق على المحدث المرحوم الشيخ أحمد شاكر، فأملى عليه ما يأتي: لكنه لم يذكر الأسانيد التي قال الفلاني: إن ابن الصلاح وصل بها هذه الأحاديث، فلا يستطيع أهل العلم بالحديث أن يحكموا باتصالها إلا إذا وجدت الأسانيد وفحصت، حتى يتبين إن كانت متصلة أو لا، وصحيحة أو لا.
اهـ.
وهذا كلام خبير بالصناعة الحديثية، عارف بقواعدها، ولا شك أن الشيخ أحمد شاكر أعلم بالحديث من الشيخ الشنقيطي بمراحل، بل لا نسبة بينهما فيه.
- دعوى الفلاني: أن عنده تأليف ابن الصلاح وعليه خطه، دعوى غير صحيحة، بل هو لم ير ذلك التأليف، فضلا عن أن يمتلكه.
والدليل على ذلك أنه لم يذكر تلك الأحاديث في رده لكلام العراقي حافظ الدنيا، وشيخ حفاظها، ولو كانت عنده لبادر بذكر تلك الأسانيد ليسند رده بالدليل، وأيضا فإن ابن الصلاح قال في تأليفه ذاك ما نصه: والقول الفصل عندي في ذلك كله ما أنا ذاكره، وهو أن هذه الأحاديث الأربعة: لم ترد بهذا اللفظ المذكور في الموطأ إلا في الموطأ ولا ورد ما هو في معنى واحد منها بتمامه في غير الموطأ إلا حديث: إذا أنشأت بحرية.
من وجه لا يثبت، والثلاثة الأخر: واحد، وهو حديث ليلة القدر، ورد بعض معناه من وجه غير صحيح، واثنان منها، ورد بعض معناهما من وجه جيد، أحدهما: صحيح وهو حديث النسيان، والآخر: حسن وهو حديث وصية معاذ ﵁.
اهـ كلامه بحروفه.
وهو يصرح بأن حديثين من الأربعة ضعيفان، ولو رآه الفلاني لما قال في آخر رده: فظهر بهذا أنه لا فرق بين البخاري والموطأ. . . إلخ.
وأنا أقول: ظهر بهذا أن الفلاني لم ير تأليف ابن الصلاح، وأن دعواه غير صحيحة، غفر الله لنا وله.
- ولو فرضنا جدليا أن تلك الأحاديث الأربعة صحيحة، لم يكن الموطأ في درجة البخاري لأمور: أن تلك الأحاديث إنما ورد ما يصحح معناها فقط، ولفظها غير وارد إطلاقا، وأحاديث البخاري صحيحة بلفظها ومعناها.
أن البخاري صحيح في ذاته لا يحتاج إلى من يصل بعض أحاديثه، بخلاف الموطأ فإنه محتاج إلى من يصل منقطعاته ومرسلاته وبلاغاته، بحيث لا نطمئن إلى شيء منها حتى نقف على أسانيدها في التمهيد أو غيره أن الموطأ فيه أحاديث مسندة لم تبلغ درجة الصحة، ولم يخرجها البخاري، فكيف يكون الموطأ في درجته؟ ابن الصلاح هو: الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري، الشافعي المفتي ابن المفتي، ولد سنة، وتفقه على والده بشهرزور.
قال ابن خلكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه، وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث، ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وكانت فتاويه مسددة، وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم.
اهـ.
وذكر أنه رحل إلى خراسان وبها حصل علم الحديث، ورحل إلى: نيسابور، وهمذان، ومرو، وحران، وبغداد، ودمشق، وحلب، والقدس، وغيرها.
قال الذهبي: قدم دمشق ودرس بالرواحية، ثم ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية وصنف وأفتى، وتخرج به الأصحاب وكان من أعلام الدين.
وقال أيضا: وكان سلفيا حسن الاعتقاد، كافا عن تأويل المتكلمين، مؤمنا بما ثبت من النصوص، غير خائض ولا متعمق، وكان وافر الجلالة، حسن البزة، كثير الهيبة، موقرا عند السلطان والأمراء.
انتقل إلى رحمة الله في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة وكثر التأسف لفقده، وحمل نعشه على الرءوس، وكان على جنازته هيبة وخشوع، فصلوا عليه بجامع دمشق، ودفنوه بمقابر الصوفية، وقبره ظاهر يزار، وعاش ستا وستين سنة، رحمة الله عليه.
اهـ.
كلام الذهبي.
أروي هذه الرسالة عن الشيخ محمد دويدار الكفراوي، عن الشيخ إبراهيم الباجوري، عن الشيخ محمد السنباوي، عن أبي الحسن علي بن محمد العربي، عن الشيخ إبراهيم الفيومي، عن الشيخ أحمد الغرقاوي، عن الشيخ علي الأجهوري، عن نور الدين علي بن أبي بكر القرافي، عن الحافظ جلال الدين السيوطي، عن القاضي علم الدين البلقيني، عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخي، عن أبي الحسن ابن العطار الدمشقي، عن الحافظ الزاهد أبي زكريا النووي، عن الحافظ أبي عمرو عثمان بن الصلاح رحمه الله تعالى.
أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق وصل البلاغات الأربعة في الموطأ لابن الصلاح: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنفرد بكل الحمد والثناء، والصلاة والسلام الأفضلان على رسوله خير الرسل والأنبياء، وعلى آله والنبيين، وآلهم والصالحين، دائما ذلك دوام دار الخلد والبقاء، آمين.
رغبتم رغبكم الله في رغائب المعارف، وهداكم وإيانا مناهج العوارف في إبانة الأحاديث الأربعة المنقطعة المعضلة، التي ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر، ﵀ وإيانا أنه لا ذكر لها في شيء من كتب العلماء إلا في الموطأ، أو كتاب من نقلها منه، ولم يروها غير الإمام مالك ﵁، وأن أذكر ما عندي في ذلك: فسألت الله العظيم من فضله، واستهديته، واستعنت به، وتبرأت إليه، واستغثت به.
فها أنا ذا مورد ما أوردتموه آثرا وذاكرا وبادئا بسياقتها على وجهها من الموطأ، بإسنادي العالي فيه.
أخبرنا الشيخ المسند أبو الحسن بن أبي الفتوح بن أبي الحسن بن المقري ﵀ وإيانا، بقراءتي عليه، قال: أنا الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن سهل بن عمر السيدي، قراءة عليه، قال: أنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري، قراءة عليه، قال: أنا الفقيه أبو علي زاجرك بن أحمد السرخسي، قال: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، قال: حدثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري:
1 / 1
الْحَدِيثُ الأَوَّلُ
1 / 2
١ - قَالَ: نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ﵁، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «إِنِّي لا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ»
1 / 3
الْحَدِيثُ الثَّانِي
1 / 4
٢ -: وَبِهِ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، قَالَ: نا مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، كَانَ يَقُولُ: إِذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةٌ، ثُمَّ تَشَّاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ ".
قوله: نشأت رويناه من غير همزة في أوله، وكذا حكاه الأزهري، وهو الذي ذكره الهروي، وغيرهما في هذا الفعل من نشأت السحابة.
يقال: نشأت السحابة نشئا: إذا ابتدأت وارتفعت.
والرواية الفاشية المشهورة فيه: أنشأت بحرية بالهمزة في أوله.
وقد قيل: إن أهل اللغة على إنكارها، والصواب عندهم نشأت بغير همزة في أوله.
وإنما يقال: أنشأ فلان يفعل كذا ويقول كذا، أو أنشأت السحابة تمطر.
وقطع القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي فيما وجدناه عنه بأنه بالهمزة في أوله، هو المنقول بغير خلاف، وأنه قد صححه أهل اللسان، والله أعلم.
قوله: بحرية، أي من ناحية البحر، وناحية البحر بالمدينة هي ناحية المغرب.
وفي إعرابه وجهان: الرفع على أنه فاعل، والنصب على الحال.
وقوله: ثم تشأمت.
هو بالتشديد على الشين، على وزن تفعلت أي أخذت نحو الشام.
وقوله: عين غديقة.
فالعين ها هنا عبارة عن السحاب، وذكر الهروي في العين المذكورة في هذا الحديث، عن صاحب العين: أن العين من السحاب ما أقبل عن يمين القبلة أي قبلة العراق، وذلك الصقع يسمى العين أيضا.
وغديقة، ذكرها ابن عبد البر، بضم الغين على التصغير، وكذا هو الأصل في رواية الزهري الذي فيه السماع على الإمام زاهر بن أحمد، وعنه البحيري، وعنه السيدي.
وقال القاضي عياض: غديقة بضم الغين على التصغير الذي يراد به التكثير قال: وقد رواه بعضهم غديقة.
قلت: غديقة بفتح الغين، وجدته عن أبي منصور الأزهري في هذا الحديث أن تكون تصغير قولهم: عين غدقة، بكسر الدال أي كثيرة الماء، فاعلم ذلك كله.
فإن فيه ما يعز، والله أعلم
1 / 5
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ
1 / 6
٣ -: وَبِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ، فَتَقَالَّهَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ".
قَوْلُهُ: فَتَقَالَّهَا، زِيَادَةٌ وَقَعَتْ فِي رِوَايَتِنَا هَذِهِ دُونَ غَيْرِهَا، وَوَجْهُهَا عَلَى بُعْدِهَا، أَنَّهُ اسْتَقَلَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَعْمَارِ أُمَّتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
1 / 7
الْحَدِيثُ الرَّابِعِ
1 / 8
٤ -: وَبِهِ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ جَعَلْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ، قَالَ: «حَسِّنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ، مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ» .
قوله: عن يحيى بن سعيد، رواه أيضا يحيى بن بكير، وغيره، وإنما فيه عن مالك أنه بلغه: أن معاذ بن جبل.
وقوله: في الغرز، بغين منقوطة، ثم راء مهملة ساكنة، ثم زاي وهي للجمل مثل الركاب للبغل، حكاه الأزهري مطلقا، وحكاه الجوهري مخصوصا بأن يكون من جلد، والله أعلم
فهذه الأحاديث الأربعة، ذكر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الإمام.
الذي تفرد في شرح الموطأ، واستثارة علومه، وجمع العلوم بما لم يسبق إليه سابق، ولم يلحقه فيه لاحق، والحافظ الذي كان الإمام أبو الوليد الباجي، يقول فيه: لم تخرج الأندلس أعلم بالحديث من أبي عمر بن عبد البر.
قرأت ذلك بخط أبي الوليد ابن الدباغ، عن شيخه الحافظ القاضي أبي علي ابن سكرة الصدفي، عن شيخه أبي الوليد الباجي ﵏ وإيانا: أنها لا ذكر لها في شيء من كتب العلماء إلا في الموطأ، ولم يروها غير مالك ﵁ ولا تعرف إلا به، ولا توجد في غير الموطأ لا مسندة، ولا غير مسندة.
ثم إنها عند ابن عبد البر متساوية في أنها لا توجد بهذا اللفظ إلا في الموطأ، ومنقسمة عنده في مجيء معناها في غير الموطأ، فمنها ما لم يذكر فيه أنه ورد معناه برواية تصح، وهو الحديثان الآخران.
أما حديث: إذا أنشأت بحرية، فذكر أنه لم يرد بمعناه إلا فيما رواه الشافعي، عن إبراهيم بن أبي يحيى، قال: وإبراهيم متروك الحديث ولفظه: إذا أنشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطرها ولم يسنده الشافعي أيضا، فهو منقطع عنده.
وأما حديث معاذ، فقال في كتاب التقصي: معناه صحيح مسند.
ولم يذكره فيه.
1 / 9
٥ - وَذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ، بِإِسْنَادِهِ، حَدِيثَ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ لَهُ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»
1 / 10
٦ - قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَنْ قَالَ: «لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» .
وكأنه أراد بهذا توهين ما في الموطأ في حديث معاذ، من أنه آخر ما أوصاه به رسول الله ﷺ.
فتحصل من هذا حكمه بأن حديث ليلة القدر، وحديث إذا أنشأت بحرية لا يصحان أصلا، لا بلفظهما المذكور، ولا بمعناهما، وأن الحديثين الآخرين لا يصحان باللفظ الوارد في الموطأ، ويصح من معناهما القدر الذي جاء في غيرهما، وهو أصل نسيانه ﷺ، وأصل توصية معاذ بحسن الخلق
وقد حدثنا صاحبنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله الأنصاري وكان طلابة للحديث جماعة له، قال: أخبرني الشيخ أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن عبد الله الصنهاجي الإسكندري بالإسكندرية، قال: أخبرني الشيخ أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي، إجازة، قال: أخبرني الحافظ أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري، قال: سمعت الحافظ أبا محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي، يقول: سمعت حمزة بن محمد الكتاني الحافظ، يقول: كل شيء رواه مالك في الموطأ مسندا أو مرسلا، فقد روي عن رسول الله ﷺ من غير جهته، إلا حديثين: أحدهما: إني لأنسى لأسن.
والآخر: إذا أنشأت بحرية.
قلت: هذا يتضمن إن حديث ليلة القدر قد روي أيضا بلفظه أو بمعناه، من غير جهة مالك، وهو كذلك، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
والقول الفصل عندي في ذلك كله: ما أنا ذاكره، وهو: أن هذه الأحاديث الأربعة لم ترد بهذا اللفظ المذكور في الموطأ، إلا في الموطأ، ولا ورد ما هو في معنى واحد منها بتمامه في غير الموطأ إلا حديث: إذا أنشأت بحرية.
من وجه لا يثبت.
والثلاثة الأخر: واحد، وهو حديث ليلة القدر، ورد بعض معناه من وجه غير صحيح، واثنان منهما، ورد بعض معناهما من وجه جيد أحدهما صحيح وهو حديث النسيان، والآخر حسن وهو حديث وصية معاذ ﵁.
وبيان ذلك: أما حديث إذا أنشأت بحرية.
1 / 11
٧ - فَقَدْ أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ الْمُعَمَّرُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ طِرَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّكِيُّ بْنُ الْهَاشِمِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَاصِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَاصِمِيِّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: نا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: " إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً، فَتِلْكَ عَيْنٌ.
أَوْ قَالَ: عَامٌ غُدَيْقَةٌ ".
يَعْنِي: مَطَرًا كَثِيرًا.
رواه الثقة ابن أبي الدنيا في كتاب المطر له، وفيه استدراك على الحافظين حمزة بن محمد، وابن عبد البر، وليس إسناده بذاك لمكان محمد بن عمر، والظاهر أنه الواقدي، والله أعلم
1 / 12
٨ - وَأَمَّا حَدِيثُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَيْنَاهُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْهُ، قَالَ: أنا مَنْ لا أَتَّهِمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: «إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً، فَهُوَ أَمْطَرُ لَهَا» .
فَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَاهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ فِيهِ تَسَاهُلٌ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ غَيَّرَهُ بِمَا ظَنَّ أَنَّهُ مَعْنَاهُ، وَكَأَنَّهُ تَبِعَ فِي ظَنِّهِ ذَلِكَ رَأْيَ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ ﵀، وَذَلِكَ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَى الشَّيْخَةِ الصَّالِحَةِ أُمِّ الْمُؤَيَّدِ ابْنَةِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُرْجَانِيِّ رَحِمَهَا اللَّهُ وَإِيَّانَا، عَنِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الْمُسْتَمْلِي، وَأَبِي الْمُظَفَّرِ الْقُشَيْرِيِّ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ.
ح وَأَخْبَرَنِي بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِهَا، عَنْ عَشَرَةِ أَشْيَاخٍ، مِنْهُمُ الإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الصَّفَّارِ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ.
ح وَأَخْبَرَنِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَاعِدٍ الْعَطَّارُ، عَنِ الْفَقِيهِ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ الْخَلِيلِيِّ، قَالَ: أنا الْحَافِظُ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالا: سَمِعْنَا أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ، يَقُولُ: إِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ.
يَزِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَسَّانٍ، وَإِذَا قَالَ: أنا مَنْ لا أَتَّهِمُ.
يُرِيدُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى، وَإِذَا قَالَ: بَعْضُ الناس.
يريد به أهل العراق، وإذا قال: بعض أصحابنا.
يريد به أهل الحجاز.
قال البيهقي: وقد قال الشافعي: أنا الثقة، عن معمر.
والمراد به إسماعيل بن علية.
لتسميته إياه في موضع آخر، وذكر البيهقي غير ذلك، في قوله: أنا الثقة، وقال: لا يوقف على مراده به.
إلا بظن غير مقرون بعلم.
قلت: وإسحاق بن عبد الله الذي روى عنه، أحسبه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.
أخا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، المذكور في الإسناد المتقدم، والله أعلم
1 / 13
٩ - وَأَمَّا حَدِيثُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْمُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ الْكَرِيمِ السَّمْعَانِيِّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي الْفَتْحِ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُطِيعِ الأُصُولِيِّ الْفَقِيهِ.
وَحُدِّثْتُ بِهِ، عَمَّنْ سَمِعَهُ مِنْهُ، عَنْهُ، قَالَ: أنا الإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّنْجَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَاضِي قِنَّسْرِينَ، قَالَ: نا أَبُو نَصْرٍ الْفَتْحُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: نا سَهْلُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: نا السَّكَنُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ جُوَبْيِرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَكَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ مَعَ طُولِ أَعْمَارِهِمْ، فَقَالَ: " مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ مَحَاسِنُ أَعْمَالِ أُمَّتِي فِي قِصَرِ أَعْمَارِهِمْ؟ فَإِذَا هُوَ بِجِبْرِيلَ ﵇، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَحْمَدُ، اللَّهُ ﷿ يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: اقْرَأْ.
قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿٢﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: ١-٣]، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يُتَقَبَّلُ مِنَ الرَّجُلِ مِنْ أُمَّتِكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِثْلُ مَا كَانَ يُتَقَبَّلُ مِنَ الرَّجُلِ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ، يَا مُحَمَّدُ، مَعَ قِصَرِ أَعْمَارِهِمْ مَحَاسِنُ أَعْمَالِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ أَعْمَالِ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، مَعَ طُولِ أَعْمَارِهِمْ ".
هذا غريب المتن جدا، وضعيف الإسناد جدا.
وقد روى أبو عبد الله بن منده الحافظ في كتابه، عن أبيه: حديث مالك ﵁، حديث الموطأ بلفظه، بإسناده، عن محمد بن المبارك الصوري، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن رسول الله ﷺ، وليس بمحفوظ، ولم يذكره الصوري محمد بن المبارك في كتابه الذي جمع فيه مسند حديثه عن مالك
وأما حديث النسيان، فقد رويناه من وجوه كثيرة صحيحة، منها:
1 / 14
١٠ - مَا أَخْبَرَنَاهُ الشَّيْخُ الأَصِيلُ أَبُو الْفَتْحِ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْفُرَاوِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ، قَالَ: أنا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: أنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: نا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ، وَذَكَرَ حَدِيثَ السَّهْوِ، وَأَنَّهُ ﷺ، قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» .
أخرجاه في صحيحيهما، وإنما يتقوى به من حديث مالك ﵁ طرف منه
وأما حديث توصية معاذ بإحسان الخلق، فقد رويناه من وجوه، منها:
1 / 15
١١ - مَا أَخْبَرَنَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ ﵀ وَإِيَّانَا، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِهَا، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِيِّ، قَالَ: أنا الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو حَسَّانٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ، قَالَ: أنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي.
قَالَ: " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ.
قُلْتُ: زِدْنِي.
قَالَ: أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا.
قُلْتُ: زِدْنِي.
قَالَ: خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ".
رواه أحمد بن حنبل في مسنده، من حديث ليث، بنحوه
1 / 16
١٢ - وَأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْمُؤَيَّدُ أَيْضًا، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِنَيْسَابُورَ، وَأَنْبَأَنِي الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْمَعَالِي الصَّاعِدِيُّ، قَالا: أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَسَاجِدِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ التَّفْلِيسِيِّ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّفَّاءُ، قَالَ: أنا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» .
رويناه هكذا، من حديث معاذ، إلا أن في أوله: أن معاذا، قال: يا رسول الله، أوصني.
وفي سماع ميمون من أبي ذر نظر.
أخرج هذا الحديث أبو عيسى الترمذي في جامعه، من حديث أبي ذر، ثم من حديث معاذ، وقال: هذا حديث حسن.
وفي أصل الحافظ أبي حازم: حسن صحيح.
وذكر الترمذي، عن محمود بن غيلان: أن الصحيح فيه: عن أبي ذر.
قلت: وقول محمود.
فيما نراه غير محمود، فهو عن معاذ أكثر وأشهر.
وذكر الدارقطني أبو الحسن الإمام: أنه قد تابع ليث بن أبي سليم في روايته، من حديث معاذ: حماد بن شعيب، وإسماعيل بن مسلم المكي، وأنه قد اختلف فيه على سفيان الثوري، فرواه وكيع، عن الثوري، عن حبيب، عن ميمون، عن معاذ ﵁.
وهذا الحديث حسن شريف، وكنت قد قلت: إن ملاك أمر الدين والدنيا في أربعة أحاديث، أحدها هذا.
والثاني: حديث معاذ ﵁: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار.
قال: «لقد سألت عن عظيم. . .» .
اشتمل على مباني الإسلام الخمسة، وأبواب الخير من الصوم
1 / 17