بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ نَسْتَعِينُ
الْحَمْدُ للَّهِ الْقَادِرِ الْعَلِيمِ، الْفَاطِرِ الْحَكِيمِ، الْجَوَادِ الْكَرِيمِ، الرَّبِّ الرَّحِيمِ مُنَزِّلِ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، عَلَى الْمَبْعُوثِ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، خَاتَمِ الرِّسَالَةِ، وَالْهَادِي عَنِ الضَّلالَةِ، الْمُرْسَلِ بِأَشْرَفِ الْكُتُبِ إِلَى الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الْهُدَاةِ الْمُهْتَدِينَ، وَأَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ الْمُنْتَخَبِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
وَبَعْدَ هَذَا: فَالْعِلْمُ أَشْرَفُ مَنْقَبَةٍ، وَأَجَلُّ مَرْتَبَةٍ، وَأَبْهَى مَفْخَرٍ وَأَرْبَحُ مَتْجَرٍ، بِهِ يُتَوَصَّلُ إِلَى تَوْحِيدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَصْدِيقِ أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ.
وَالْعُلَمَاءُ خَوَاصُّ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمْ، وَإِلَى مَعَالِمِ دِينِهِ هَدَاهُمْ، وَبِمِزْيَةِ الْفَضْلِ آثَرَهُمْ وَاصْطَفَاهُمْ، هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَخُلَفَاؤُهُمْ، وَسَادَةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُرَفَاؤُهُمْ، وَالدُّعَاةُ إِلَى الْمَحَجَّةِ الْمُثْلَى، وَالتَّمَسُّكِ بِالشَّرِيعَةِ وَالتَّقْوَى.
١ - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزمجَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ،
1 / 45
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَكَّائِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ السَّعْدِيُّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، يُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَلَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُنَبِّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ
1 / 46
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يَبْعَثُ اللَّهُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُمَيِّزُ الْعُلَمَاءَ فَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ إِنِّي لَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ إِلا لِعِلْمِي بِكُمْ وَلَمْ أَضَعْهُ فِيكُمْ لأُعَذِّبَكُمْ، انْطَلِقُوا إِلَى الْجَنَّةِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "
وَإِنَّ أُمَّ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَجْمَعَ الأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ، كِتَابُ اللَّهِ الْمُودِعُ نُصُوصَ الأَحْكَامِ وَبَيَانَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَالْمَوَاعِظَ النَّافِعَةَ، وَالْعِبَرَ الشَّافِيَةَ، وَالْحُجَجَ الْبَالِغَةَ، وَالْعِلْمُ بِهِ أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَعَزُّهَا، وَأَجَلُّهَا وَأَمَزُّهَا، لأَنَّ شَرَفَ الْعُلُومِ بِشَرَفِ الْمَعْلُومِ.
وَلَمَّا كَانَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى أَشْرَفَ الْمَعْلُومَاتِ، كَانَ الْعِلْمُ بِتَفْسِيرِهِ وَأَسْبَابِ تَنْزِيلِهِ وَمَعَانِيهِ وَتَأْوِيلِهِ، أَشْرَفَ الْعُلُومِ.
وَمِنْ شَرَفِ هَذَا الْعِلْمِ وَعِزَّتِهِ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْقَوْلُ فِيهِ بِالْعَقْلِ وَالتَّدَبُّرِ، وَالرَّأْيِ وَالتَّفَكُّرِ، دُونَ السَّمَاعِ وَالأَخْذِ عَمَّنْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ بِالرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَدْ شَدَّدُوا فِي هَذَا حَتَّى جَعَلُوا الْمُصِيبَ فِيهِ بِرَأْيِهِ مُخْطِئًا.
1 / 47
٣ - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا الْجَوْزَقِيُّ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبِشْرِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سُهَيْلٌ أَخُو حَزْمٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ، فَقَدْ أَخْطَأَ»
٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونِ بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ صَدَقَةَ
1 / 48
الرَّقِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»
وَكُلُّ عِلْمٍ سِوَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا يُسْتَنَدُ إِلَيْهِمَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَمَنْ تَحَلَّى مِنَ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِهِمَا فَهُوَ عَاطِلٌ عَنِ الآيَاتِ الْوَاضِحَةِ الْبَاهِرَةِ وَالسُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ الزَّاهِرَةِ، عَلَى هَذَا دَرَجَ الأَوَّلُونَ، وَالسَّلَفُ الصَّالِحُونَ.
٥ - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّصْرَابَاذِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى،
1 / 49
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا، وَعَمِلْتُمْ بِمَا فِيهِمَا، كِتَابَ اللَّهِ ﷿ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»
وَقَدْ سَبَقَ لِي قَبْلَ هَذَا الْكِتَابِ، بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَحُسْنِ تَيْسِيرِهِ، مَجْمُوعَاتٌ ثَلاثٌ فِي هَذَا الْعِلْمِ: مَعَانِي التَّفْسِيرِ، وَمُسْنَدِ التَّفْسِيرِ، وَمُخْتَصَرِ التَّفْسِيرِ.
وَقَدِيمًا كُنْتُ أُطَالِبُ بِإِمْلاءِ كِتَابٍ فِي تَفْسِيرٍ (وَسِيطٍ) يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ (الْبَسِيطِ) الَّذِي تُجَرُّ فِيهِ أَذْيَالُ الأَقْوَالِ، وَيَرْتَفِعُ عَنْ مَرْتَبَةِ (الْوَجِيزِ) الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَى الإِقْلالِ.
وَالأَيَّامُ تَدْفَعُ فِي صَدْرِ الْمَطْلُوبِ بِصُرُوفِهَا، عَلَى اخْتِلافِ صُنُوفِهَا، وَسَآخُذُ نَفْسِي عَلَى فُتُورِهَا، وَقَرِيحَتِي عَلَى قُصُورِهَا، لِمَا أَرَى مِنْ جَفَاءِ الزَّمَانِ، وَخُمُولِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَعُلُوِّ أَمْرِ الْجَاهِلِ عَلَى جَهْلِهِ، بِتَصْنِيفِ تَفْسِيرٍ أَعْفِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ وَالإِكْثَارِ، وَأُسَلِّمُهُ مِنْ خَلَلِ الْوَجَازَةِ وَالاخْتِصَارِ، وَآتِي بِهِ عَلَى النَّمَطِ الأَوْسَطِ وَالْقَصْدِ الأَقْوَمِ حَسَنَةً بَيْنَ السِّيَّئَتَيْنِ، وَمَنْزِلَةً بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، لا إِقْلالَ وَلا إِمْلالَ.
نِعْمَ الْمُعِينُ تَوْفِيقُ اللَّهِ تَعَالَى، لإِتْمَامِ مَا نَوَيْتُ، وَتَيْسِيرِهِ لإِحْكَامِ مَا لَهُ تَصَدَّيْتُ.
1 / 50
الْقَوْلُ فِيمَا رُوِيَ مِنْ فَضَائِلِ
سُورَةِ الْفَاتِحَةِ
مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ
٦ - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمِهْرِجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ ﷺ فَنَادَانِي فَلَمْ آتِهِ، حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ صَلاتِي، فَقَالَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟» قُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ﷿: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤]، أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ؟ "،
1 / 51
قَالَ: فَذَهَبَ يَخْرُجُ، فَذَكَّرْتُهُ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ
٧ - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعُ الْمَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ ﷿: قَسَّمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْن عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ٣] قَالَ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، أَوْ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] قَالَ اللَّهُ: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] قَالَ اللَّهُ: هَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، وَإِذَا
1 / 52
قَالَ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾﴾ [الفاتحة: ٦-٧] قَالَ اللَّهُ: هَذِهِ لَكَ ".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ سُفْيَانَ
٨ - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْصُورِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنِي جَدِّي، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ سِمْعَانَ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ ﷿: إِنِّي قَسَّمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لَهُ وَنِصْفُهَا لِي، يَقُولُ عَبْدِي، إِذَا افْتَتَحَ صَلاتَهُ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]، فَيَذْكُرُنِي عَبْدِي، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] فَأَقُولُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ٣]، فَأَقُولُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤]، فَأَقُولُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي: ثُمَّ يَقُولُ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]، فَهَذِهِ الآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَآخِرُ السُّورَةِ لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ "
1 / 53
وما أسنى هذه الفضيلة، إذ لم يرد فِي شيء من القرآن هذه المقاسمة التي رويت فِي الفاتحة بين الله تعالى وبين العبد.
٩ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانُوا فِي سَفَرٍ فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ، أَوْ مُصَابٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا رَقَيْتُ إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: مَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: خُذُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ
1 / 54
١٠ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَخِيهِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَزَلْنَا مَنْزِلا، فَجَاءَتْنَا جَارِيَةٌ، فَقَالَتْ: أَنَّ نَفَرَنَا غَيْبٌ، وَأَنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ فَهَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ رَاقٍ؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَما كُنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ وَلا نَرَاهُ يُحْسِنُهَا، فَذَهَبَ فَرَقَاهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلاثِينَ شَاةً، وَأَحْسَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: وَسَقَانَا لَبَنًا، قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ قُلْنَا لَهُ، مَا كُنَّا نَرَاكَ تُحْسِنُ رُقْيَةً، قَالَ: وَلا أُحْسِنُهَا، إِنَّمَا رَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، قُلْتُ: لا تُحْدِثُوا فِيهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَذْكُرُ ذَلِكَ لَهُ، فَأَتَيْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «مَا كَانَ يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْتَسِمُوهَا وَاضْرِبُوا بِسَهْمِي مَعُكْم» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ،
1 / 55
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ
1 / 56
فصل فِي بيان نزول الفاتحة
١١ - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنِي جَدِّي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَلِيُّ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا بَرَزَ، سَمِعَ مُنَادِيًا يُنَادِيهِ: يَا مُحَمَّدُ، فَإِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ انْطَلَقَ هَارِبًا، فَقَالَ لَهُ
1 / 57
وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَاثْبُتْ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ لَكَ، قَالَ: فَلَمَّا بَرَزَ سَمِعَ النِّدَاءَ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: «لَبَّيْكَ»، قَالَ: قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾﴾ [الفاتحة: ٢-٥] حَتَّى فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
1 / 58
القول فِي آية التسمية
١٢ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي﴾ [الحجر: ٨٧]: هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، قَالَ أَبِي: وَقَرَأَها عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الآيَةَ السَّابِعَةَ، قَالَ سَعِيدٌ: وَقَرَأَهَا عَلَيَّ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتُهَا عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الآيَةَ السَّابِعَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَخَرَهَا لَكُمْ فَمَا أَخْرَجَهَا لأَحَدٍ قَبْلَكُمْ
1 / 59
١٣ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الأَشْجَعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿١﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾﴾ [الفاتحة: ١-٢] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ سَبْعُ آيَاتٍ، ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] إِحْدَاهُنَّ.
وَعَدَّهُنَّ عُمَرُ فِي يَدِهِ، وَعَدَّهُنَّ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي يَدِهِ، وَعَدَّهُنَّ أَبُو سَعِيدٍ فِي يَدِهِ عَدَدَ الأَعْرَابِ
١٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا
1 / 60
عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي بِلالٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] سَبْعُ آيَاتٍ، أُولاهُنَّ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَهِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ "
هذه الأخبار ناطقةٌ بأن التسمية آية من الفاتحة، وكذلك هي فِي غيرها من السور آية.
١٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدَانَ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
1 / 61
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يُعْرَفُ خَتْمُ السُّورَةِ حَتَّى يُنَزَّلَ عَلَيْهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]
١٦ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدَانَ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يُعْرَفُ خَتْمُ السُّورَةِ حَتَّى يُنَزَّلَ عَلَيْهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]
١٧ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْعَبْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا لا نَعْلَمُ فَصْلَ مَا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ حَتَّى تَنْزِلَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]
وأما التفسير
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿١﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾﴾ [الفاتحة: ١-٧] فإن المتعلق به «الباء» فِي قوله: بسم الله محذوف، ويستغنى عن إظهاره لدلالة الحال عليه، وهو معنى الابتداء، كأنه قال: بدأت بسم الله، أو أبدأ بسم الله.
والحال تبين أنه مُبْتَدِئٌ فاستغنيت عن ذكره.
1 / 62
وهي أداة تجر ما بعدها من الأسماء نحو «من» و«عن» و«فِي»، وحذفت الألف من بسم الله، لأنها وقعت فِي موضع معروف لا يجهل القارئ معناه، فاستُخِفَّ طرحُها، وأثبتت فِي قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤]، لأن هذا لا يكثر كثرة بسم الله، ألا ترى أنك تقول: بسم الله عند ابتداء كل شيء.
ولا تحذف الألف إذا أضيف الاسم لغير الله، ولا مع غير «الباء» من الحروف، فتقول: لاسم الله حلاوة فِي القلوب، وليس اسم كاسم الله.
فتثبت الألف مع اللام والكاف، هذا فِي سقوطها فِي الكتابة.
وأما سقوطها فِي اللفظ: فلأنها للوصل، وقد استغني عنها بالباء.
وعند البصريين أن «الاسم» مشتق من السمو، لأنه يعلو المسمى، فالاسم ما علا وظهر، فصار علما للدلالة على ما تحته من المعنى.
وعند الكوفيين: «الاسم»: مشتق من الوسم والسمة وهي العلامة، ومن هذا قال أبو العباس ثعلب: الاسم سمة توضع على الشيء يعرف به.
والصحيح ما قال أهل البصرة، لأنه لو كان مشتقا من الوسم لقيل فِي تصغيره: وُسَيْمٌ.
كما قالوا: وُعَيدة، ووُصَيلة.
فِي تصغير عدة وصلة، فلما قالوا: «سُميّ» .
ظهر أنه من السمو لا من السمة.
وأما الله فإن كثيرا من العلماء ذهبوا إلى أن هذا الاسم ليس بمشتق، وأنه اسم تفرد به الباري سبحانه، يجري فِي وصفه مجرى أسماء الأعلام، لا يشركه فِيهِ أحد، قال الله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥]، أي: هل تعلم أحدا يُسَمَّى اللهَ غيره؟
1 / 63
وهذا القول يحكى عن الخليل بن أحمد، وابن كيسان، وهو اختيار أبي بكر القفال الشاشي.
والأكثرون ذهبوا إلى أنه مشتق من قولهم: «أَلَهَ إلاهةً» .
أي: عبد عبادة، وكان ابن عباس يقرأ ويذرك وإلاهتك، قال: معناه: عبادتك.
ويقال: تأله الرجل.
إذا نسك، قال رؤبة:
سبحن واسترجعن من تألهي
ومعناه: المستحق للعبادة، وذو العبادة: الذي إليه تُوجَّهُ العبادةُ وبها يُقْصَدُ، وقال أبو الهيثم الرازي: الله أصله «إلاه»، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ [المؤمنون: ٩١]، ولا يكون إلها حتى يكون لعابده خالقا ورازقا ومدبرا وعليه مقتدرا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإن عُبد عُبد ظلما، بل هو مخلوق ومتعبد.
قال: وأصل إله: «ولاه»، فقلبت الواو همزة كما قالوا للوشاح: إشاح.
وللوجاج: أجاج.
ومعنى «ولاه»: أن الخلق
1 / 64