============================================================
ومنهم متداه (1) في نفسه، مدع للعلم والفطنة بمكائد الشيطان، فيظهر كثيرا من أعمال بره ، وعلمه، للإقتداء (2) [به] (2)، ليكون له مثل أجور القابلين منه فنصب لذلك تفسه، وسهر ليله ونهاره، وإشتد عليه حرصه، وهو به مسرور، نفسه تمنيه أن الذي هو فيه من أعلى الأعمال عند ربه، وأنه مأجور على حرصه، وسروره بإجتماع الناس اليه للمنافع التي أنالهم الله على يديه بزعمه فيما يرى، فلا يشك أنه كذلك في مبلغ علمه، وإنه ناظر لنفسه بزعمه، يرى الفضل بإظهار ما أحسن من قوله وفعله، يؤمل العزم في أمره، ويطمع في دفع الفتنة عن نفسه، وينفي الآفات عن علمه، يرتجي الصدق والإخلاص في أحواله، وعساه كالذي بلغنا أن الشيطان يقول : ل" من زعم من ولد آدم أنه بعلمه إمتنع مني، فبجهله وقع في حبائلي" .
فالجهل أولى به إذا إدعى النفاذ في علمه، والقوة في عقله وفعله، يتصنع فيما أظهر من القول والعمل، كيما يؤكد به آمره، ويصوب به فعله، ويتباهى (4) في الآفاق لمنافع الناس بزعمه، فيقتبس ذلك عنه، ويعلو به ذكره، وكذلك امنيته وما يشعر.
وعساه كبعض المغتربين من قبله، فإنه بلغنا أن حكيما من الحكماء، قرأ ثلاثمائة وستين مصحفا (5)، فأوحى الله تعالى إلى نبي زمانه، قل له: إنك ملأت الأرض نفاقا، وإن الله لم يقبل من نفاقك شيئ .
وعساه يحتمل النصب والتعب لإظهار علمه، واصراف وجوه الناس إليه، لا يعدل به شيئا ولا يؤثر عليه برا.
(1) أي : يصطنع الدهاء في نفسه والخبرة بالنفوس دون علمه (2) في الأصل : والإقتداء (3) ما بين المعقوفتين : سقطت من الأصول (4) في الأصل: ويتباه تحريف.
(5) روى أبو طالب المكي هذا الخبر في كتابه علم القلوب* على أنه قرأ ثلاثمائة وستين كتابا وأن الرجل من علماء بني إسرائيل، ونقل المحاسبي غريب. (راجع باب الفرق بين العالم والعليم من كتاب "علم القلوب، للزيادة من تفاصيل أنواع العلماء.
Bogga 206